الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل عند الشافعية في تقدير زكاة الذهب، أو الفضة -إذا توافرت شروط الزكاة فيهما؛ بأن بلغا نصابا، وحال عليهما الحول- هو الوزن، لا القيمة، ويستثنى من هذا الحلي المعد للتجارة، فإنه يرتفع ثمنه بعد الصياغة، وتعتبر قيمة الصنعة فيه، ويزكى زكاة التجارة، وعندهم وجه بزكاته زكاة العين، بناء على القول بوجوب الزكاة في الحلي.
فقد قال الماوردي في الحاوي الكبير -3/ 277: إذا اشترى حليا مباحا للتجارة، فإن قلنا لا زكاة في الحلي المستعمل، ففي هذا زكاة التجارة، وتعتبر قيمة الصنعة... لأن زكاة هذا في قيمته، لا في عينه، وإن قلنا في المستعمل زكاة، فهل يزكى هذا زكاة التجارة، أو زكاة العين؟ على قولين:
أحدهما: زكاة العين، فعلى هذا لا اعتبار بالصنعة.
والقول الثاني: زكاة التجارة، فعلى هذا يجب اعتبار الصنعة، لوجوب الزكاة في القيمة... اهـ.
وقال النووي في الروضة: إذا أوجبنا الزكاة في الحلي المباح، فاختلف قيمته ووزنه بأن كان لها خلاخل، وزنها مائتان، وقيمتها ثلاثمائة، أو فرض مثله في المناطق المحلاة للرجل، فالاعتبار في الزكاة بقيمتها، أو وزنها؟ فيه وجهان: أصحهما عند الجماهير: بقيمتها، فعلى هذا يتخير بين أن يخرج ربع عشر الحلي مشاعا، ثم يبيعه الساعي، ويفرق الثمن على المساكين، وبين أن يخرج خمسة دراهم مصوغة قيمتها ستة ونصف، ولا يجوز أن يكسره فيخرج خمسة مكسرة؛ لأن فيه ضررا عليه وعلى المساكين، ولو أخرج عنه عن الذهب ما يساوي سبعة ونصفا، لم يجز عند الجمهور؛ لإمكان تسليم ربع العشر مشاعا، وبيعه بالذهب، وجوزه ابن سريج للحاجة ولو كان له إناء وزنه مائتان، ويرغب فيه بثلاثمائة، فإن جوزنا اتخاذه، فحكمه ما سبق في الحلي، وإن حرمنا فلا قيمة لصنعته شرعا، فله إخراج خمسة من غيره، وله كسره، وإخراج خمسة منه، وله إخراج ربع عشره مشاعا، ولا يجوز إخراج الذهب بدلا... اهـ.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في الغرر البهية في شرح البهجة الوردية -2/ 142: وحيث أوجبناها في الحلي لو اختلف وزنه وقيمته، بأن كان وزنه نصابا، وقيمته ثلاثمائة، فالاعتبار بالقيمة، إذ الصنعة صفة في العين، فيجب بالصفة، فيخرج ربع عشره مشاعا، ثم يبيعه الساعي، ويفرق ثمنه... اهـ.
وتعتبر القيمة أيضا في الحلي المستعمل استعمالا محرما، فتجب فيه الزكاة، وتعتبر قيمته، بخلاف الأواني، فيعتبر وزنها، فقد جاء في فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب -2/ 254: قوله: ويزكى محرم كآنية، والعبرة في نحو الآنية بالوزن، وتخرج زكاتها باعتباره، وفي غيرها من الحلي، ولو محرما بالقيمة، إن اختلفت مع الوزن -أي وزادت القيمة- وقوله، ولو محرما -أي محرم الاستعمال- بأن صنع بقصد مباح، ثم اتخذه الرجل لاستعماله، بخلاف محرم الصنعة، بأن صاغه الرجل لا بهذا القصد، فالمعتبر وزنه، إذ صنعته لا قيمة لها، فهو كالآنية... اهـ.
وقال البجيرمي في التجريد لنفع العبيد -2/ 30: قوله: ويزكى محرم كآنية.. إلخ، أي ولا نظر إلى ارتفاع قيمتها بالصنعة، بل المعتبر الوزن، فلو كان وزن الإناء مائتين، وقيمته ثلاثمائة، زكى المائتين، لأن الصنعة محرمة، تجب إزالتها بالكسر، فلم تعتبر، ومثل الإناء الحلي المحرم لذاته، كخلخال اتخذ للبس رجل، فالعبرة فيه بالوزن، لا بالقيمة، بخلاف ما إذا كان محرما لعارض: بأن صيغ لامرأة، واستعمله الرجل، فالعبرة فيه بالقيمة، شرح الروض، وشوبري، ولو قيل يعتبر الأكثر بعد بلوغ الوزن نصابا لكان متجها... اهـ.
والله أعلم.