الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصد تلك القصة التي رواها الطبراني في الكبير، وفيها طلب النبي صلى الله عليه وسلم ممن آذاه أن يقتص منه، وأن شيخا كبيرا يقال له عكاشة طلب الاقتصاص منه لضربة ضربه إياها عن غير عمد، ثم ذكر في القصة خبر مرض النبي صلى الله عليه وسلم وموته. فهذه القصة باطلة لا تثبت.
قال ابن الجوزي في الموضوعات عقب إيراد الحديث بطوله: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع محَال، كافأ الله من وَضعه، وقبح من يشين الشَّرِيعَة بِمثل هَذَا التَّخْلِيط الْبَارِد، وَالْكَلَام الَّذِي لَا يَلِيق بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا بالصحابة.
وَالْمُتَّهَم بِهِ عبد الْمُنعم بن إِدْرِيس. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: كَانَ يكذب على وهب. وَقَالَ يَحْيَى: كَذَّاب خَبِيث. وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِثِقَة، وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يَحِلُّ الاحْتِجَاجُ بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ وَأَبوهُ مَتْرُوكَانِ. انتهى.
فحديث هذا شأنه لا يشكل على القواعد المقررة شرعا من أن الشخص لا يؤاخذ بالخطأ، فإنه لا إثم على الإنسان فيما يقع منه خطأ عن غير عمد، والمثال الذي ذكره السائل يدخل في هذا، والله تعالى قال في كتابه: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. {سورة الأحزاب:5}، وفي الحديث: إنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- تجَاوِزُ لِأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. رواه أصحاب السنن، وصححه الأرناؤوط وغيره.
ورفع الإثم في الخطأ لا يعني عدم المؤاخذة بالضمان مع الخطأ، كما هو الحال في إتلاف الأموال؛ فإنه وإن انتفى الإثم، فإن المتلف يضمن ما أتلفه؛ لأن العمد والخطأ ـ كما قال أهل العلم ـ في أموال الناس سواء.
والله أعلم.