الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسافة بين السماء والأرض إن كانت مسيرة مائة عام، فليس هناك تعارض بين الحديثين، بل يكونان متطابقين، وإن كانت غير ذلك، فالخلاف بين التقديرين كالخلاف الوارد بين عدد السنين في الروايات المختلفة.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: اختلف الخبر الوارد في قدر مسافة ما بين السماء والأرض، وذكر هناك ما ورد في الترمذي أنها: مائة عام، وفي الطبراني: خمسمائة، ويزاد هنا ما أخرجه ابن خزيمة في التوحيد من صحيحه، وابن أبي عاصم في كتاب السنة، عن ابن مسعود قال: بين السماء الدنيا، والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام ـ وفي رواية: وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام... وفي حديث العباس بن عبد المطلب عند أبي داود، وصححه ابن خزيمة، والحاكم مرفوعا: هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض؟ قلنا: لا، قال: إحدى، أو اثنتان، أو ثلاث وسبعون... والجمع بين اختلاف هذا العدد في هاتين الروايتين أن تحمل الخمسمائة على السير البطيء كسير الماشي على هينته، وتحمل السبعين على السير السريع. اهـ.
وقال ابن القيم في حادي الأرواح: ولا تناقض بين تقدير ما بين الدرجتين بالمائة، وتقديرها بالخمسمائة، لاختلاف السَّير في السرعة والبُطْءِ، والنَّبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا تقريبًا للأفهام، ويدل عليه حديث:... مائة درجة في الجنَّة، ما بين الدرجتين ما بين السماء والأرض، وأبعد ممَّا بين السماء والأرض... اهـ.
وقال المناوي في فيض القدير: هذا التفاوت إما بحسب الصورة كطبقات السماء، أو بحسب المعنى أي باعتبار التفاوت في القرب إلى الله، ولا مانع من الجمع، وفيه دلالة على أنها في غاية العلو، ونهاية الارتفاع. اهـ.
وقد أورد الألباني حديث أبي هريرة في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ثم قال: تنبيه، قوله: مائة عام- هو رواية أحمد، وفي رواية الآخرين: كما بين السماء والأرض، وهي رواية عفان عنده، ومثلها روايتهم عن معاذ إلا أحمد، فهي عنده باللفظ الأول: مائة عام، ويشهد له حديث شريك بن عبد الله، عن محمد بن جحادة، عن عطاء، عن أبي هريرة مرفوعا به مختصرا، بلفظ: الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مائة عام- أخرجه أحمد، والترمذي... ولا تعارض بينهما، وبين رواية الآخرين: كما بين السماء والأرض، لأن روايتهما مفصلة، والأخرى مجملة، والمفصل يقضي على المجمل، كما هو معلوم من علم الأصول. اهـ.
والله أعلم.