الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت تحريم الغيبة، والنهي عنها بالنص، والإجماع، قال -تعالى-: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات: 12}.
قال ابن حزم في مراتب الإجماع: وَاتَّفَقُوا على تَحْرِيم الْغَيْبَة والنميمة فِي غير النَّصِيحَة الْوَاجِبَة. اهـ.
وأما من كان يجهل تحريم الغيبة، فإن الجهل بالتحريم رافع للإثم من حيث الأصل، لكن من فرط وقصَّر في التعلم، فإنه يأثم، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: إن رجلاً أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- راوية خمر، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل علمت أن الله قد حرمها؟ قال:لا. اهـ.
يقول النووي في شرح صحيح مسلم: وفي هذا أن من ارتكب معصية جاهلاً تحريمها لا إثم عليه، ولا تعزير. اهـ.
وقال ابن عبد البر في التمهيد في شرح الحديث السابق: وفي هذا الحديث دليل على أن الإثم مرفوع عمن لم يعلم. قال الله عز وجل: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" ومن أمكنه التعلم، ولم يتعلم أثم. اهـ.
وأما استسماح من اغتابهم فلا يجب ولو كان المغتاب عالما بتحريم الغيبة؛ لما قد يفضي إليه ذلك من إيغار صدورهم، واستجلاب عداوتهم، وإدخال الغَمِّ عليهم، إلى غير ذلك من المفاسد، ولكن عليه أن يدعو لهم، ويذكرهم بمحاسن خصالهم التي يعلم.
وانظر الفتوى: 454702
والله أعلم.