الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالوالد الفقير، تجب نفقته على أولاده الموسرين بلا خلاف بين أهل العلم.
قال ابن المنذر -رحمه الله- في الإشراف على مذاهب العلماء: وأجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال، واجبة في مال الولد. انتهى.
وفي هذه الحال، تكون نفقة الوالد على جميع أولاده الموسرين ذكورهم وإناثهم، والراجح عندنا أن النفقة تكون على كل منهم بحسب يساره، كما هو الراجح عند المالكية.
جاء في البهجة في شرح التحفة: إذا حكم بها عليهم، فإنها توزع عليهم ذكوراً كانوا أو إناثاً، صغاراً أو كباراً على قدر يسارهم على الراجح، لا على الرؤوس، ولا على قدر الإرث. انتهى.
وأما إذا كان الوالد في كفاية من العيش؛ فجمهور العلماء على أنّه لا حقّ له في شيء من مال ولده دون رضاه، وذهب الحنابلة إلى أنّ للوالد أن يأخذ من مال ولده، ولو لم يكن محتاجًا بشرط ألا يجحف بمال ولده، وألا يأخذه ليعطيه لولد آخر.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها صغيرا كان الولد أو كبيرا بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئًا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر ... وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته. انتهى.
وعليه؛ فلا حرج عليك في الامتناع من إعطاء والدك ما يطلبه من المال؛ ما دام غير فقير، وأنت محتاج إلى المال؛ لكن عليك التلطف معه، والاعتذار منه بأدب ورفق، والحرص على برّه والإحسان إليه بما تقدر عليه؛ فحقّ الوالد عظيم، وبره من أعظم أسباب رضوان الله ودخول الجنة، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.
وعن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.
قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.
والله أعلم.