الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرجع في معرفة المراد باليمين هو إلى نيتك، ثم السبب الباعث على اليمين.
فإن كنت تنوي بالخروج من اللجنة عدم ترشيحك، فإنك لا تحنث إذا رشحث ثم اعتذرت عن اللجنة، وهكذا.
وكذلك الشأن إذا نويت باليمين لجنة تلك السنة بخصوصها، أو كان سبب اليمين يقتضي ذلك: فإن اليمين لا تشمل لجان السنوات القادمة.
جاء في الكافي لابن قدامة: ومبنى الأيمان على النية، فمتى نوى بيمينه ما يحتمله، تعلقت يمينه بما نواه، دون ما لفظ به، سواء نوى ظاهر اللفظ أو مجازه، مثل أن ينوي موضوع اللفظ، أو الخاص بالعام، أو العام بالخاص، أو غير ذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «وإنما لكل امرئ ما نوى» فتدخل فيه الأيمان ...
وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش، يريد قطع منته، تناولت يمينه كل ما يمتن به؛ لأن ذلك للتنبيه على ما هو أعلى منه...
ومن لم تكن له نية، وكان ليمينه سبب هيجها، يقتضي معنى أعم من اللفظ، مثل من امتنت عليه زوجته، فحلف لا يشرب لها الماء من العطش، أو لا يلبس ثوبًا من غزلها، أو حلف: لا يأوي معها في دار، لسبب يقتضي جفاءها، فحكمه حكم القاصد كذلك؛ لأن السبب دليل على النية والقصد، فقام مقامه. اهـ.
وفي عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس: اعلم أن المقتضيات للبر والحنث أمور:
الأول: النية، إذا كانت مما يصلح أن يراد اللفظ بها، كانت مطابقة له أو زائدة فيه، أو ناقصة عنه بتقييد مطلقه، وتخصيص عامه.
الثاني: السبب المثير لليمين ليتعرف منه، ويعبر عنه بالبساط أيضاً، وذلك أن القاصد إلى اليمين لا بد أن تكون له نية، وإنما يذكرها في بعض الأوقات، وينساها في بعضها، فيكون المحرك على اليمين وهو البساط دليلاً عليها. اهـ.
والمفتى به عندنا: أن الحنث في يمين الطلاق يقع به الطلاق، سواء أراد الزوج إيقاع الطلاق أو أراد التأكيد والتهديد ونحوه.
لكن بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أن حكم الحلف بالطلاق الذي لا يقصد به تعليق الطلاق، وإنما يراد به التهديد أو التأكيد على أمر حكم اليمين بالله، فإذا وقع الحنث، لزم الحالف كفارة يمين، ولا يقع به طلاق.
واعلم أن الحلف بالطلاق ليس من سيما أهل الإيمان، بل قد عدَّه بعض أهل العلم من أيمان الفساق تحذيرًا وتنفيرًا منه، فعليك أن تصون لسانك عنه.
والله أعلم.