الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التأفف من تصرفات الوالد لا إثم عليك فيها إن لم تظهريها له، وأما إظهار ذلك له فهو عقوق؛ كما قال تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ {الإسراء:23}.
قال القرطبي رحمه الله: فلا تقل لهما أف ـ أي لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرم. اهـ
وقال ابن كثير رحمه الله: وَقَوْلُهُ: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ـ أَيْ: لَا تُسْمِعْهُمَا قَوْلًا سَيِّئًا، حَتَّى وَلَا التَّأْفِيفَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْقَوْلِ السَّيِّئِ، وَلا تَنْهَرْهُمَا ـ أَيْ: وَلَا يَصْدُرْ مِنْكَ إِلَيْهِمَا فِعْلٌ قَبِيحٌ. اهـ.
ثم إن ما يقوم به والدك من تشغيل القرآن باستمرار في البيت كله، وفي أهل البيت من يريد أن يذاكر أو يراجع واجباته أو يعبد ربه بطريقة يرغب فيها وينشط لها أو ينام، لا ينبغي، ويخشى أن يكون فيه سوء أدب مع القرآن، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتوقف عن قراءة القرآن في حالة الغفلة والانشغال عن التدبر فيه، وعدم النشاط للاستفادة منه، فقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن جندب بن عبد الله البجلي قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا.
قال المناوي في فيض القدير: اقرؤوا القرآن، أي: داوموا على قراءته، ما ائتلفت أي: ما اجتمعت عليه قلوبكم، أي: ما دامت قلوبكم تألف القرآن: يعني اقرؤوه على نشاط منكم وخواطركم مجموعة، فإذا اختلفتم فيه بأن مللتم، أو صارت قلوبكم في فكرة شيء سوى قراءتكم، وحصلت القراءة بألسنتكم مع غيبة قلوبكم فلا تفهمون ما تقرؤون فقوموا عنه، أي: اتركوه إلى وقت تعودون في محبة قراءته إلى الحالة الأولى، فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور قلب. اهـ.
ولا فرق بين القراءة المباشرة وبين القراءة المسجلة. فوضحوا لوالدكم حالتكم وحاجتكم للرغبة في التفرغ لشؤونكم، وأن القراءة تشوش عليكم وتحرجكم، وأنه بإمكانه تشغيل المسجل في أوقات مناسبة. وللفائدة تراجع الفتوى: 26180
والله أعلم.