الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:
فتوحيد الأذان في المصر الواحد، لا حرج فيه، إذا كان ابتداء دخول وقت الصلاة فيه متحدًا.
أما إذا كان ابتداء دخول وقت الصلاة فيه يختلف، كالدولة الواسعة المترامية الأطراف، فلا يجوز ذلك؛ لأنه قد يؤدي إلى بعض المحظورات، كالتأذين في بعض الأماكن قبل الوقت؛ وذلك لا يجوز باتفاق، إلا في أذان الفجر -كما سيأتي-؛ لما يترتب عليه من المفاسد، كإفطار الصائم قبل الغروب، أو أداء بعض الناس للصلاة قبل دخول الوقت؛ ظنًّا منهم أن الوقت قد دخل، وكذلك قد يؤدي تأخير الأذان أول دخول الوقت، إلى أن يتسحر المتسحر بعد طلوع الفجر.
وإليك كلام أهل العلم في حكم تقديم الأذان وتأخيره:
أما حكم تقديمه، فقد اتفق الفقهاء على حرمة الأذان قبل دخول الوقت، إلا أذان الفجر عند أكثر أهل العلم؛ لورود الدليل بذلك، قال الإمام النووي في المجموع: أما غيرها -أي: الفجر- فلا يصح الأذان لها قبل وقتها، بإجماع المسلمين، نقل الإجماع فيه ابن جرير، وغيره.
وقال ابن قدامة في المغني: الأذان قبل الوقت في غير الفجر لا يجزئ، وهذا لا نعلم فيه خلافًا، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن للصلوات بعد دخول وقتها، إلا الفجر، ولأن الأذان شرع للإعلام بالوقت، فلا يشرع قبل الوقت؛ لئلا يذهب مقصوده.
وأذان صلاة الفجر يجوز تقديمه، عند جماهير أهل العلم، قال ابن قدامة في المغني: يشرع الأذان للفجر قبل وقتها، وهو قول مالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، ومنعه الثوري، وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن. وينبغي لمن يقدم أذان الفجر على وقته أن يراعي ما ذكره ابن قدامة بقوله: وينبغي لمن يؤذن قبل الوقت أن يجعل أذانه في وقت واحد في الليالي كلها؛ ليعلم الناس ذلك من عادته، فيعرفوا الوقت بأذانه، ولا يؤذن في الوقت تارة، وقبله أخرى، فيلتبس على الناس، ويغتروا بأذانه، فربما صلى بعض من سمعه الصبح؛ بناء على أذانه قبل وقتها، وربما امتنع المتسحر من سحوره، والمتنفل من صلاته؛ بناء على أذانه، ومن علم حاله لا يستفيد بأذانه فائدة؛ لتردده بين الاحتمالين، ولا يقدم الأذان كثيرًا تارة، ويؤخره أخرى، فلا يعلم الوقت بأذانه، فتقل فائدته. واختلفوا في قدر الزمن الذي يمكن أن يقدم فيه، فذهب الشافعية، والحنابلة، وأبو يوسف، إلى أنه في النصف الثاني من الليل، وعند المالكية في السدس الأخير، ويسن الأذان ثانيا عند دخول الوقت؛ لقول النبي صلى الله وسلم: إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. وعند الحنفية -غير أبي يوسف- لا يجوز الأذان لصلاة الفجر، إلا عند دخول الوقت، ولا فرق بينها وبين غيرها من الصلوات؛ لما روى شداد مولى عياض بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر. وأما تأخيره إلى أثناء الوقت؛ ليدخل الوقت في كل البلد؛ ليؤذن الجميع في وقت واحد، فلا ينبغي؛ لأن السنة تقديم الأذان في أول الوقت؛ لمواظبة بلال -رضي الله عنه- مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك. لكن يجوز تأخيره إلى ما قبل خروج وقت الصلاة، إذا دعت إلى ذلك حاجة، ولم يكن تأخيره سببًا في اللبس على من يسمع الأذان، قال الأنصاري في أسنى المطالب: فيؤذن للصلاة إذا دخل الوقت، وهو مشروع لها إلى خروجه. انتهى. وقال الرحيباني في مطالب أولي النهى: وسن أذان أول الوقت ليصلي المتعجل، وظاهره أنه يجوز مطلقاً ما دام الوقت. فهذا كلام أهل العلم في المسألة. وبهذا تبين أن تأخير الأذان عن أول وقته لا ينبغي؛ ولذا لا ينبغي تأخير الأذان في بعض الأماكن في البلد؛ حتى يدخل وقت الأذان في أماكن أخرى؛ من أجل توحيد الأذان، بل الذي ينبغي هو التأذين في كل ناحية اتفق دخول وقت الصلاة فيها عند أول الوقت. والله أعلم.