الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلو افترضنا أن هذه الصور محرمة -كما هو ظاهر سؤالك-، فإن السكنى أو الدخول إلى مكان فيه صورة محرمة، لا يحرم على الراجح من أقوال أهل العلم، وإنما الواجب هو إنكار المنكر بقدر المستطاع، وبذل النصيحة لأهله.
قال ابن قدامة في المُغني -في معرض كلامه أن من دعي إلى وليمة، يباح له أن لا يجيب الدعوة إذا رأى في المكان تصاوير محرمة-:
فأما دخول منزل فيه صورة، فليس بمحرم، وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة للداعي، بإسقاط حرمته؛ لإيجاده المنكر في داره. ولا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج، في ظاهر كلام أحمد؛ فإنه قال في رواية الفضل بن زياد، إذا رأى صورا على الستر، لم يكن رآها حين دخل؟ قال: هو أسهل من أن يكون على الجدار. قيل: فإن لم يره إلا عند وضع الخوان بين أيديهم، أيخرج؟ فقال: لا تضيق علينا، ولكن إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم. يعني لا يخرج.
وهذا مذهب مالك، فإنه كان يكرهها تنزها، ولا يراها محرمة. وقال أكثر أصحاب الشافعي: إذا كانت الصور على الستور، أو ما ليس بموطوء، لم يجز له الدخول؛ لأن الملائكة لا تدخله، ولأنه لو لم يكن محرما، لما جاز ترك الدعوة الواجبة من أجله.
ولنا ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل الكعبة، فرأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام، فقال: «قاتلهم الله، لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط». رواه أبو داود.
وما ذكرنا من خبر عبد الله أنه دخل بيتا فيه تماثيل، وفي شروط عمر -رضي الله عنه- على أهل الذمة: أن يوسعوا أبواب كنائسهم وبيعهم، ليدخلها المسلمون للمبيت بها، والمارة بدوابهم، وروى ابن عائذ في فتوح الشام أن النصارى صنعوا لعمر -رضي الله عنه-، حين قدم الشام، طعاما، فدعوه، فقال: أين هو؟ قالوا: في الكنيسة، فأبى أن يذهب، وقال لعلي: امض بالناس، فليتغدوا. فذهب علي -رضي الله عنه- بالناس، فدخل الكنيسة، وتغدى هو والمسلمون، وجعل علي ينظر إلى الصور، وقال: ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل.
وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها الصور، ولأن دخول الكنائس والبيع غير محرم، فكذلك المنازل التي فيها الصور، وكون الملائكة لا تدخله لا يوجب تحريم دخوله علينا، كما لو كان فيه كلب، ولا يحرم علينا صحبة رفقة فيها جرس، مع أن الملائكة لا تصحبهم، وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة لفاعله، وزجرا له عن فعله، والله أعلم. اهـ.
وأما خوف السائل من أن يبغضه أقاربه إذا نصحهم، فهذا بمجرده ليس بمانع، وقد يكون من تسويل الشيطان، فقد يحبه ويجلُّه أقاربه إذا نصحهم برفق ولين، وأظهر حرصه عليهم واهتمامه بأمر دينهم.
فافعل ذلك مستعينا بالله، فإن قبلوا، فالحمد لله، وإن لم يقبلوا، فقد أديت ما عليك. قال تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 21، 22].
قال السعدي في تفسيره: أي: ذكر الناس وعظهم، وأنذرهم وبشرهم، فإنك مبعوث لدعوة الخلق إلى الله وتذكيرهم، ولم تبعث مسيطرًا عليهم، مسلطًا موكلا بأعمالهم، فإذا قمت بما عليك، فلا عليك بعد ذلك لوم. اهـ.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال:لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.
وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الفقهاء إلى أن النصيحة تجب للمسلمين.
قال ابن حجر الهيتمي: يتأكد وجوبها لخاصة المسلمين وعامتهم.
وقال الراغب الأصفهاني: عظم النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر النصح فقال: "الدين النصيحة"، فبين عليه الصلاة والسلام أن النصح واجب لكافة الناس بأن تتحرى مصلحتهم في جميع أمورهم.
وقال المالكية: النصيحة فرض عين، سواء طلبت أو لم تطلب، إذا ظن الإفادة؛ لأنه من باب الأمر بالمعروف. ... وهي لازمة على قدر الحاجة أو الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه، ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذى؛ فهو في سعة.
وقال غيرهم: إن ظاهر حديث: الدين النصيحة؛ وجوب النصح، وإن علم أنه لا يفيد في المنصوح. اهـ.
وانظر للفائدة الفتويين: 180067، 212284.
والله أعلم.