الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت هذه العطية تمت في حياة الجد، وحازها أبناؤه الذكور، فهي هبة صحيحة.
وأما تخصيص الذكور بذلك دون الإناث لمجرد كونهم ذكورًا، دون مسوغ شرعي، كالفقر والحاجة، فهذا مكروه عند جمهور الفقهاء، ومحرم عند الحنابلة. وراجعي في ذلك الفتوى: 123771.
فعلى قول الجمهور: لا إثم على الجد الذي فاضل بين أولاده في الهبة.
وأما صحة الهبة ونفاذها، فحتى الحنابلة الذين يوجبون التسوية بين الأولاد، يحكمون بصحة الهبة ولزومها إذا مات الواهب قبل استردادها، في المعتمد من مذهبهم. قال الخرقي في مختصره: إن مات ولم يردده، فقد ثبت لمن وهب له، إذا كان ذلك في صحته. اهـ.
وقال ابن قدامة في شرحه «المغني»: يعني إذا فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية، ثم مات قبل أن يسترده، ثبت ذلك للموهوب له، ولزم، وليس لبقية الورثة الرجوع. هذا المنصوص عن أحمد، في رواية محمد بن الحكم، والميموني، وهو اختيار الخلال، وصاحبه أبو بكر. وبه قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأكثر أهل العلم، وفيه رواية أخرى عن أحمد أن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه. اختاره ابن بطة وأبو حفص العكبريان. وهو قول عروة بن الزبير، وإسحاق. اهـ.
وهذه الرواية الثانية هي اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال: لا يجوز للولد الذي فُضِّلَ أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يرد ذلك في حياة الظالم الجائر، وبعد موته كما يرد في حياته، في أصح قولي العلماء اهـ.
وعلى المعتمد في المذاهب الفقهية الأربعة، فإن هبة الوالد لأبنائه الذكور دون بناته، تصح وتلزم إذا مات على ذلك. وليس لبقية الورثة من البنات -فضلا عن ورثتهن- أن يرجعن بشيء مما فُضِّلَ به الذكور بعد موت الواهب. ولكن إن تطوع الذكور أو ورثتهم بذلك فهو أفضل وأورع؛ خروجًا من الخلاف.
والله أعلم.