الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرواية الراوي الكثير الخطأ قد تصلح في المتابعات والشواهد، وقد لا تصلح، بحسب الحال.
فالرواية التي ظهر خطؤها أو ترجّح، فهي منكرة أو متروكة، لا تنجبر برواية راوٍ كثير الغلط.
وأما الرواية التي تحتمل الصواب والخطأ، دون أن يترجّح أحد الاحتمالين؛ فهذه تنجبر برواية الراوي الكثير الغلط؛ لأنها تورث غلبة الظن بصوابها.
فالروايات المنكرة والمتروكة (الواهية)، لا تنجبر بذلك، وأما الروايات المحتملة فتنجبر؛ ولذلك قال الإمام أحمد: الحديث عن الضعفاء قد يُحتاج إليه في وقت، والمنكَر أبدًا منكَر. انتهى من كتاب العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية المروذي، وغيره.
وكذلك إذا كان لرواية الراوي الكثير الخطأ من الشواهد والمتابعات ما يترجّح به إصابته في روايته؛ فإنها تقوى بها، وتنجبر، ما دام من أهل الصدق والأمانة.
والمعنى الكليّ في هذا الأمر أشار إليه ابن الصلاح في مقدمته: (معرفة علوم الحديث) حيث قال:
ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت:
فمنه ضعف يزيله ذلك، بأن يكون ضعفه ناشئًا من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة.
فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر، عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختلّ فيه ضبطه له.
وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال، زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ؛ إذ فيه ضعف قليل، يزول بروايته من وجه آخر.
ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك؛ لقوة الضعف، وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متّهمًا بالكذب، أو كون الحديث شاذًّا.
وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث؛ فاعلم ذلك؛ فإنه من النفائس العزيزة. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في «النكت على ابن الصلاح»: لم يذكر للجابر ضابطًا يعلم منه ما يصلح أن يكون جابرًا أو لا.
والتحرير فيه أن يقال: إنه يرجع إلى الاحتمال في طرفي القبول والرد؛ فحيث يستوي الاحتمال فيهما، فهو الذي يصلح لأن ينجبر، وحيث يقوى جانب الرد، فهو الذي لا ينجبر.
وأما إذا رجح جانب القبول، فليس من هذا، بل ذاك في الحسن الذاتي. اهـ.
والله أعلم.