الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى قوله تعالى في الآية الأولى: وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [سورة الطلاق: 6] أَي: وإِن ضيَّق أَحد الزوجين على الآخر بالمشاحة والمبالغة في الزيادة في الأجرة من قِبل الزوجة، أَو بالنقص في الأُجرة من قِبل الزوج - فسترضعه مرضعة أُخرى غير الأُم، على معنى: فليطلب الأَب هذه المرضعة. وطلب المرضعة للولد واجب على أبيه.
ثم بيّن الله تعالى في الآية الأخرى: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ [سورة البقرة: 233] أنه يشرع الاسترضاع عند عجز الأم عن إرضاع ابنها، أو امتناعها من ذلك، بشرط أداء الزوج الأجرة التي يرتضيها للمرضِعة.
وعلى هذا؛ فليست آية سورة البقرة صارفة لوجوب استرضاع الزوج لابنه الرضيع، إذا لم يتفق مع مطلَّقته على أجرة الرضاع، وإنما فيها جواز الاسترضاع، ووجوب أداء الأجرة للمرضعة.
قال ابن كثير في (تفسيره): وقوله: {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} أي: وإن اختلف الرجل والمرأة؛ فطلبت المرأة أجرة الرضاع كثيرًا، ولم يجبها الرجل إلى ذلك، أو بذل الرجل قليلًا، ولم توافقه عليه، فليسترضع له غيرها. انتهى.
وقال أيضًا: وقوله: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف} أي: إذا اتفقت الوالدة والوالد على أن يتسلم منها الولد؛ إما لعذر منها، أو عذر له، فلا جناح عليهما في بذله، ولا عليه في قبوله منها إذا سلمها أجرتها الماضية بالتي هي أحسن، واسترضع لولده غيرها بالأجرة بالمعروف. انتهى.
والله أعلم.