الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن كان كسبه حراما؛ فلا ينبغي للمرأة قبوله زوجاً، قال اللخمي -رحمه الله- في التبصرة: يؤمر الأب في الزوج بأربع: أن يكون كفؤًا في دينه، وحاله، وحسبه، سالمًا من العيوب التي يجتنبها النساء.
فأما الدِّين؛ فإن كان كسبه حرامًا، أو كثير الأَيْمان بالطلاق، لم يكن له أن يزوجها منه. انتهى.
وقال ابن رشد -رحمه الله- في بداية المجتهد: ولم يختلف المذهب أن البكر إذا زوجها الأب من شارب الخمر، وبالجملة من فاسق، أن لها أن تمنع نفسها من النكاح، وينظر الحاكم في ذلك، فيفرق بينهما. وكذلك إن زوجها ممن ماله حرام. انتهى.
لكن إذا تاب الرجل من كسب الحرام توبة صادقة؛ فلا حرج في قبوله زوجاً؛ فالتوبة تمحو ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وراجعي الفتوى: 422083.
وأمّا الأموال التي اكتسبها هذا الرجل، فلم يتبين لنا من السؤال حقيقة حكمها، والصواب في هذه الحال أن يعرض سؤاله على من تمكنه مشافهته من أهل العلم، ليتبينوا منه حقيقة هذا الكسب، هل فيه حقوق للغير يجب ردها؟ أم هي أموال أخذها برضا الدافع بعقد محرّم -كالربا والقمار- فعليه أن يتخلص منها بصرفها في أبواب البر والمصالح العامة، وإذا كان فقيرًا؛ فله أن يأخذ منها قدر حاجته، وتكون حلالاً له.
جاء في المجموع للنووي -رحمه الله-: قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام، وأراد التوبة والبراءة منه، فإن كان له مالك معيّن، وجب صرفه إليه، أو إلى وكيله، فإن كان ميتًا؛ وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه، ويئس من معرفته؛ فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة -كالقناطر، والربط، والمساجد، ومصالح طريق مكة، ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه- وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء ... وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حرامًا على الفقير، بل يكون حلالاً طيباً، وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرًا؛ لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته؛ لأنه أيضًا فقير. انتهى مختصرًا.
أمّا الشقق التي اشتراها بهذه الأموال التي اكتسبها من المعاملات المحرمة، فقد تملّكها، وله الانتفاع بها وبأجرتها.
والله أعلم.