الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن علّق طلاق زوجته على أكله من مطعم معين، طعامًا بعينه، أو مطلقًا، وأطلق، ولم يحدد في لفظ اليمين زمنًا، ولا طعامًا معيّناً، فله حالان:
أولهما: أن يكون نوى بقلبه عند التلفظ باليمين زمنًا معيّنًا، أو طعامًا معيّنًا؛ فإن يمينه تتقيد بما نواه من حيث الوقت والطعام، فلا تطلق زوجته بالأكل في وقت لم ينوه، ولا بأكل طعام لم ينوه.
قال ابن قدامة في المغني: (وَيُرْجَعُ في الأيمان إلى النية)، وجملة ذلك أن مبنى اليمين على نية الحالف، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله، انصرفت يمينه إليه، سواء كان ما نواه موافقًا لظاهر اللفظ، أو مخالفًا له، فالموافق للظاهر أن ينوي باللفظ موضوعه الأصلي، مثل أن ينوي باللفظ العام العموم، وبالمطلق الإطلاق، وبسائر الألفاظ ما يتبادر إلى الأفهام منها، والمخالف يتنوع أنواعًا:
أحدها: أن ينوي بالعام الخاص، مثل أن يحلف لا يأكل لحما ولا فاكهة، ويريد لحمًا بعينه، وفاكهة بعينها.
ومنها: أن يحلف على فعل شيء، أو تركه مطلقًا، وينوي فعله أو تركه في وقت بعينه، مثل أن يحلف: لا أتغدى، يعني اليوم، أو: لآكلن، يعني الساعة. اهـ.
ويستوي في هذا يمين الطلاق، واليمين بالله.
جاء في شرح الخرشي على مختصر خليل: النية تقيّد المطلق، وتخصص اللفظ العام.... ولا فرق في تخصيص النية للفظ العام، وتقييد المطلق بين أن يكون اليمين بالله، أو بغيره -كطلاق، وعتق-. اهـ.
ثانيهما: أن يكون قد أطلق في نيته، فلم ينو وقتًا معيّنًا، ولا طعامًا معيّنًا، وفي هذه الحال تطلق زوجته متى أكل من طعام المطعم، من أي طعام منه، وفي أي وقت، ولو طال الزمن؛ لوجود ما علّق الطلاق عليه.
قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: لو حلف "لا يأكل طعامًا" حنث بأكل كل ما يسمى طعامًا: من قوت، وأدم، وحلواء، وجامد، ومائع. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: إذا لم يُعَيِّن المحلوف عليه، ولم ينو بيمينه ما يخالف ظاهر اللفظ، ولا صرفه السبب عنه، تعلّقت يمينه بما تناوله الاسم الذي علّقَ عليه يمينه، ولم يتجاوزه. اهـ.
والله أعلم.