الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في فضل الخيل، وكونها سببًا للخير، والبركة، والأموال، عدّة أحاديث صحيحة، منها: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: البركة في نواصي الخيل.
وعن عروة البارقي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر، والمغنم. متفق عليهما.
قال الخطابي: وفيه: إعلام أن المال الذي يكتسب باتخاذ الخيل من خير وجوه الأموال وأطيبها، والعرب تسمي المال خيرًا.
ومنه قول الله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا} أي: مالًا.
وقال المفسرون في قوله: {إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي} أي: الخيل. اهـ. من أعلام الحديث، شرح صحيح البخاري لأبي سليمان الخطابي.
وأمّا عن كونها تجلب الفقر، فلم نطّلع على نص فيه، وإنما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الشؤم في الدار، والمرأة، والفرس. وفي رواية: إن كان الشؤم في شيء، ففي الفرس، والمسكن، والمرأة. متفق عليه.
وروى أبو داود عن سعد بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا هامة، ولا عدوى، ولا طيرة، وإن تكن الطيرة في شيء، ففي الفرس، والمرأة، والدار. قال الشيخ الألباني: صحيح.
وقد اختلف أهل العلم في المراد بالشؤم المذكور في هذه الأحاديث على أقوال متعددة، وقد رجّح الطبري، والطحاوي: أن المقصود نفي الشؤم عن هذه الثلاث، وليس إثباته.
قال الطبري -رحمه الله- في تهذيب الآثار: أمّا قوله -صلى الله عليه وسلم- «إن كان الشؤم في شيء، ففي الدار، والمرأة، والفرس»، فإنه لم يثبت بذلك صحة الطيرة، بل إنما أخبر -صلى الله عليه وسلم- أن ذلك إن كان في شيء، ففي هذه الثلاث، وذلك إلى النفي أقرب منه إلى الإيجاب؛ لأن قول القائل: إن كان في هذه الدار أحد، فزيد، غير إثبات منه أن فيها زيدًا، بل ذلك من النفي أن يكون فيها زيد أقرب منه إلى الإثبات أن فيها زيدًا. انتهى.
وقال النووي: واختلف العلماء في هذا الحديث، فقال مالك وطائفة: هو على ظاهره، وأن الدار قد يجعل الله تعالى سكناها سببًا للضرر، أو الهلاك، وكذا اتخاذ المرأة المعينة، أو الفرس، أو الخادم، قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى، ومعناه قد يحصل الشؤم في هذه الثلاثة، كما صرّح به في رواية.
قال الخطابي وكثيرون: هو في معنى الاستثناء من الطيرة، أي الطيرة منهي عنها، إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس، أو خادم، فليفارق الجميع بالبيع ونحوه، وطلاق المرأة. انتهى.
وقال صاحب عون المعبود: (وإن تكن الطيرة) أي صحيحة، أو إن تقع وتوجد (في شيء) من الأشياء (ففي الفرس)، أي: الجموح، (والمرأة)، أي: السليطة، (والدار)، أي: فهي الدار الضيقة.
والمعنى: إن فرض وجودها تكون في هذه الثلاثة، وتؤيده الرواية التالية، والمقصود منه نفي صحة الطيرة على وجه المبالغة، فهو من قبيل قوله: لو كان شيء سابق القدر، لسبقته العين، فلا ينافيه حينئذ عموم نفي الطيرة في هذا الحديث وغيره.
وقيل: إن تكن، بمنزلة الاستثناء، أي: لا تكون الطيرة إلا في هذه الثلاثة، فيكون إخباراً عن غالب وقوعها، وهو لا ينافي ما وقع من النهي عنها.
ثم قال: وعند البخاري عن ابن عمر أن رسول الله قال: لا عدوى، ولا طيرة، والشؤم في ثلاث: في المرأة، والدار، والدابة.
قال في النهاية: أي إن كان ما يكره، ويخاف عاقبته، ففي هذه الثلاثة، وتخصيصه لها؛ لأنه لما أبطل مذهب العرب في التطير بالسوانح والبوارح من الطير، والظباء، ونحوهما، قال: فإن كانت لأحدكم دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس يكره ارتباطها، فليفارقها بأن ينتقل عن الدار، ويطلّق المرأة، ويبيع الفرس.
وقيل: إن شؤم الدار ضيقها، وسوء جارها، وشؤم المرأة أن لا تلد، وشؤم الفرس ألا يغزى عليها. اهـ.
والله أعلم.