الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمنع الولد من الدعاء على والده وإن ظلمه، لا يعني -من قريب ولا من بعيد- تسويغ ظلم الوالد لولده، أو التفريط في حقه، أو أن الوالد لا يحاسب على ذلك في دنياه وآخرته! فظلم الوالد لولده حرام، والوالد مؤاخذ به، كما أن الولد مؤاخذ بعقوق والده أيضًا، ومنه الدعاء عليه. فكل منهما محاسب أمام الله تعالى عن حق الآخر.
ثم إن الشرع -أيضًا- منع الوالد من الدعاء على أولاده، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم. رواه مسلم.
وإلزام الوالد بأداء حق أولاده، أمر مقرر في الشرع، وعليه أدلة كثيرة، كقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6].
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته. رواه البخاري، ومسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عمّا استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته. رواه النسائي في السنن الكبرى، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
وعن النعمان بن بشير قال: إن أبي بشيرًا وهب لي هبة، فقالت أمي: أشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي، فانطلق بي حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: إن أمّ هذا الغلام سألتني أن أهب له هبة، فوهبتها له، فقالت: أشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيتك لأشهدك، فقال: رويدك، ألك ولد غيره؟ قال: نعم، قال: كلهم أعطيته كما أعطيته؟ قال: لا، قال: فلا تشهدني إذاً، إني لا أشهد على جور، إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم. رواه أحمد، وهو في الصحيحين بلفظ: اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم.
فإن كان هذا في مجرّد تفضيل بعض الأبناء على بعض في الهبة، فكيف بالظلم الذي هو تعدٍّ، وبغيٌ، وعدوان، وسلب للحقوق؟! وانظر الفتوى: 333451.
ثم إن المصلحة التي يريدها الابن المظلوم تُدرَك بالدعاء لنفسه بالعافية، وأن يكفيه الله تعالى شر والده وظلمه، والأنفع له أن يدعو لوالده بالهداية والصلاح، فإن ذلك حسنة تكتب في صحيفته، وإن استجيب دعاؤه، توقف والده عن ظلمه، وكان عونًا له على أموره.
هذا كله على افتراض وقوع الوالد في ظلم ولده بالفعل، وإلا فقد يتوهم الولد ذلك، فيكون هو الظالم لوالده في الحقيقة، فإن الغالب الأعم هو شفقة الوالد على ولده، وحرصه على نفعه ورعايته، وإيثاره على نفسه، وليس مجرد امتناعه عن ظلمه.
والله أعلم.