الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نفتيك بجواز قطع أختك، وأهل بيتك، بل نفتيك بالصبر على أذاهم، والاستمرار في صلتهم، طاعة لله تعالى، وطاعة لرسوله الكريم، فقد روى مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة: أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة، أَصِلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
ومعنى تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ: أي تطعمهم المل وهو الرماد الحار أي من الإثم الذي ينالهم في قطيعته، ومعنى ولا يزال معك من الله ظهير عليهم: أي لا يزال معك من الله من يدفع أذاهم عنك: ويعينك عليهم، والظهير: المعين والدافع لأذاهم.
وفي الحديث الآخر: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطِعَت رحمه وصلها. رواه البخاري.
والصلة درجات متفاوتة، فلا يلزمك أن تصلهم بكثرة الزيارة واللقاءات، ويكفيك أن تقتصر على أدنى درجات الصلة التي لا تكون معها قاطعًا لرحمك.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: قال القاضي عياض:
ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة، قال: والأحاديث في الباب تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات، بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام، ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها: واجب، ومنها: مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها، لا يسمى قاطعًا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له، لا يسمى واصلاً. اهـ.
وفي فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني: تكون صلة الرحم بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء، والمعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر، بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفارًا، أو فجّارًا، فمقاطعتهم في الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد في وعظهم، ثم إعلامهم إذا أصرّوا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب، أن يعودوا إلى الطريق المثلى. اهـ.
فتدرج -أخي السائل- مع أرحامك في هذا الباب، واجتهد أن لا تقاطعهم بالكلّية، بل صلهم بما استطعت من أنواع الصلة.
والله أعلم.