الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في المسلم أن يُحسِن الظن بإخوانه، ولا يجوز له أن يبني أحكامه أو معاملته للناس على مجرد الشك أو الظن السيئ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات: 12}.
ومجرد الشك في كون شخص مؤذيًا، أو يرتكب أفعالًا محرمة، لا يُحرِّم العيش معه، ولا يُسوغ هجره أو مقاطعته، ما لم يثبت ذلك بدليل ظاهر.
أما إذا ثبت كون هذا الشخص مؤذيًا بالفعل، أو يمارس المحرّمات علنًا، ويخشى من تأثيره عليك أو على من حولك؛ فلا تجوز معايشته إلا بقصد الإنكار عليه ومناصحته، إن كان يرجى استجابته للنصح، وأمنت الفتنة من تأثيره على مَن يعايشه، مع بغض ما هو عليه من المحرّمات، وإلا فالواجب الابتعاد عنه ما أمكن؛ اتقاءً للفتنة، وحفظًا للدِّين والنفس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع: وفي الصحيحين عنه أنه لما اجتاز بديار ثمود قال: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم؛ لئلا يصيبكم ما أصابهم ـ فنهى عن عبور ديارهم إلا على وجه الخوف المانع من العذاب، وهكذا السنة في مقارنة الظالمين، والزناة، وأهل البدع والفجور، وسائر المعاصي: لا ينبغي لأحد أن يقارنهم، ولا يخالطهم، إلا على وجه يسلم به من عذاب الله عز وجل، وأقل ذلك أن يكون منكِرًا لظلمهم، ماقتًا لهم، شانِئًا ما هم فيه، بحسب الإمكان، كما في الحديث: من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ـ وقال تعالى: وضرب الله مثلًا للذين آمنوا امرأة فرعون ـ الآية، وكذلك ما ذكره عن يوسف الصديق وعمله على خزائن الأرض لصاحب مصر لقوم كفار؛ وذلك أن مقارنة الفجار إنما يفعلها المؤمن في موضعين:
أحدهما: أن يكون مكرهًا عليها.
والثاني: أن يكون ذلك في مصلحة دينية راجحة على مفسدة المقارنة، أو أن يكون في تركها مفسدة راجحة في دِينه؛ فيدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصل المصلحة الراجحة باحتمال المفسدة المرجوحة. اهـ.
وراجعي لمزيد من الفائدة الفتاوى: 65447، 171791، 141014.
والله أعلم.