خطأ احتجاج الأهل على رفضهم للخاطب بالقدر

22-6-2025 | إسلام ويب

السؤال:
تقدّم شاب لخطبتي، وكنت راضية وموافقة عليه، لكن والديّ رفضاه بعد أن سألا بعض المعارف الذين أبدوا لهم تحفّظًا؛ لأنه من قبيلة غير قبيلتنا، وقد رفضوا عدّة أشخاص من قبله دون أسباب واضحة؛ فحزنت جدًّا؛ لأن رأيي لم يُؤخذ بعين الاعتبار، خاصة أن الأمر كان قد اقترب من الخطبة الرسمية.
شعرت بالألم النفسي، وأحيانًا أعبّر عن ذلك لوالديّ بكلمات غاضبة، مثل: إنني لم أُحترم، وإن هذا تدخّل في حياتي، وأنا أملك الحق في اختيار من أراه مناسبًا لي دون تدّخلهما، وأحيانًا أقول لهما: لن أسامحكما على ما فعلتماه، وأطلب منهما ألا يتدخّلا في اختياراتي مستقبلاً، خاصة أنه مضت عشرة أشهر ولم يتقدّم لي أحد، وهما يردّان عليّ بأن ما حدث هو "قسمة ونصيب"، وأنه لو كان الشاب من نصيبي لكان الله قد يسّر الأمر رغم اعتراضهما، فهل ما قلته لوالديّ يُعدّ من العقوق؟ وهل آثم عليه؟ وهل ما قالاه صحيح؟ أي: هل يُمكن أن يُقال إن رفضهما لا يغيّر من قضاء الله، ولو كان مكتوبًا لي لتمّ الأمر رغم الرفض؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فحق الوالدين عظيم، وقد أمرنا الله بالتواضع لهما، والتأدّب في مخاطبتهما، حتى ولو ظلما أو أساءا؛ فلا يجوز رفع الصوت عليهما، أو الإساءة إليهما، قال تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء: 23}

قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا: أي: لينًا لطيفًا، مثل: يا أبتاه، ويا أمّاه، من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء، وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته، إلا قوله: "وقل لهما قولًا كريمًا" ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ. انتهى.

وقال: فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة في أقواله، وسكناته، ونظره. انتهى.

فمخاطبتك لوالديك بوجه غاضب، وكلام غير مناسب للوالدين، نحو: (لن أسامحكما) يخالف ما أمر الولد به من مخاطبة والديه بالقول الكريم، وهو اللين اللطيف، وإذا تأذيا منه؛ فهو داخل في العقوق، قال الهيتمي -رحمه الله- في الزواجر عن اقتراف الكبائر: كما يعلم من ضابط العقوق الذي هو كبيرة، وهو أن يحصل منه لهما أو لأحدهما إيذاء ليس بالهيّن، أي: عرفا، ويحتمل أن العبرة بالمتأذّي. انتهى.

فتوبي إلى الله تعالى، واعتذري من والديك، وجاهدي نفسك على التأدّب معهما، وإلانة الكلام لهما.

واعلمي أنّ المرأة الرشيدة إذا تقدّم إلىها خاطب كفء، ورضيت به؛ فليس من حقّ وليها منعها من تزوّجه، وراجعي الفتوى: 309898.

وأمّا العبارة التي قالها أبواك؛ فهي صحيحة، إن قصدا بها أنّ قضاء الله نافذ لا محالة، ولا رادّ له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس -رضي الله عنهما: ...واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف. رواه الترمذي.

وأمّا إذا قصدا بهذه العبارة الاحتجاج على رفضهم الخاطب دون مسوّغ؛ فهذا مسلك غير صحيح؛ فلا يحتجّ بالقدر على المعاصي، أو التفريط في الأسباب المطلوبة، قال ابن الوزير -رحمه الله- في إيثار الحق على الخلق: وَقد أجمع أهل الاسلام على أَن الْقدر يتعزّى بِهِ أهل المصائب، وَلَا يحْتَجّ بِهِ ‌فِي ‌المعائب. انتهى.

والله أعلم.

www.islamweb.net