الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوعيد الوارد في الحديث المشار إليه ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بمن قصدت بذلك فتنة الرجال، أو تحقق حصول الفتنة به.
قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: وينبغي حمله ليوافق قواعدنا على ما إذا تحققت الفتنة، أمّا مع مجرد خشيتها، فهو مكروه، أو مع ظنّها، فهو حرام غير كبيرة، كما هو ظاهر. انتهى.
وقال ابن الأمير الصنعاني في التنوير: (ليجدوا ريحها) ظاهره أنه لا بد من قصدها لذلك. انتهى.
وفي قوله: فهي زانية. قال ابن رشد الجد في البيان والتحصيل: فسماها -صلى الله عليه وسلم- زانية، لقربها من ذلك في فعلها ذلك. انتهى.
وعليه؛ فالمراد بالزنا في الحديث هو الزنا بالمعنى العام، الذي يشمل زنا العين، والأذن، وغير ذلك.
قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح: لأنها قد هيجت شهوة الرجال بعطرها، وحملتهم على النظر إليها، ومن نظر إليها فقد زنى بعينه، فإذا هي سبب زناه بالعين. انتهى.
وعموما؛ نقول: إذا كانت المرأة المباشرة لهذا الفعل يختلف إثمها باختلاف حالها، وقصدها: فمن تعطرت بقصد اختبار رائحة ذلك العطر، ليست كمن نوت فتنة الرجال بها، فإنه من باب أولى يقال ذلك في بائع العطور، فإذا كان لا يقصد الإعانة، وإنما قصد الترويج لبضاعته، لا يمكن أن يشمله الوعيد، وإن كان بفعله ذلك قد ارتكب حرامًا إن كان عالمًا بتحريم ذلك، لإعانته على الحرام، لقوله سبحانه: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2].
وقد ذكر بعض أهل العلم أن الإعانة على المعصية ليست بمنزلة مباشرة المعصية نفسها، وإن اشتركا في أصل حصول الإثم.
قال القاري في المرقاة في شرح حديث: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: «هم سواء» قال: أي: في أصل الإثم، وإن كانوا مختلفين في قدره. اهـ.
والله أعلم.