الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا تم البيع، وصارت الأرض ملكًا لك، وقبضتها بالفعل، فلا حرج في بيعها، حتى ولو بقي عليك من ثمنها شيء في ذمتك، والقبض يكون هنا بتخلية الدولة بينك وبين الأرض، وتمكينك من التصرف فيها.
قال النووي في روضة الطالبين: الرجوع فيما يكون قبضًا إلى العادة، ويختلف بحسب اختلاف المال ... إن كان مما لا ينقل كالأرض والدور، فقبضه بالتخلية بينه وبين المشتري، وتمكينه من اليد، والتصرف بتسليم المفتاح إليه. اهـ.
أما لو كانت الأرض لم يتم قبضها، فلا يصح بيعها على الراجح من قولي أهل العلم؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم تضمن، وعن بيع ما ليس عندك. رواه أحمد والأربعة. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتاع طعاماً، فلا يبعه حتى يستوفيه. رواه مسلم، قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله.
وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار: قال الشافعي: وبهذا نقول، يعني بقول ابن عباس، فمن ابتاع شيئًا كائنًا ما كان، فليس له أن يبيعه حتى يقبضه، وذلك أن من باع ما لم يقبض، فقد دخل في المعنى الذي يرويه بعض الناس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعتاب بن أسيد حين وجهه إلى أهل مكة: انههم عن بيع ما لم يقبضوا، وربح ما لم يضمنوا. اهـ.
ولكنه يجوز لك التنازل عن حقك في تلك الأرض مقابل مبلغ من المال تتفقان عليه، ولعل من نظائر ذلك عند الفقهاء المتقدمين ما ذكروه من جواز النزول عن الوظائف مقابل مال، وهذا من باب إسقاط حق واجب في نظير شيء، لا بيع حقيقي.
يقول ابن رشد في شخص يقول لآخر يسوم سلعه: كفّ عني ولك دينار، إن ذلك جائز، ويلزمه دينار، اشترى، أو لم يشتر. انتهى.
وقال ابن عبدوس: لا إشكال فيه؛ لأنه عوض على ترك، وقد ترك. انتهى.
وقد أصبت في طلبك من المشتري أن يقوم بسداد باقي ثمن الأرض نقدًا، تفاديًا لأخذ البنك للفوائد البنكية عن الأقساط المتبقية، ولو أنه تعهد لك بذلك، ولم يف بما تعهد به، فلا يلحقك إثم من ذلك؛ لأنك لم ترض به، وقد حاولت تفاديه.
والله أعلم.