الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي نعرفه عن بيع المحصول كله أنه يعني البيع دفعة واحدة، وأخذ ثمنه كاملاً من المشتري، على أن يتحمل المشتري بعد ذلك مسؤولية الحصاد، والنقل، والتسويق.
والذي فهمناه من السؤال أن المحصول قد بدا صلاحه، كما يدل عليه قول السائل: (التاجر أخذ يُماطِل في جمع المحصول؛ لأنّه لم يدفع المبلغ. فأمهله والدي، وسمح له بأن يسدّد على أقساط، خشية أن يتضرر المحصول، فيتضرر كلا الطرفين).
فإن كان كذلك؛ فهذا البيع صحيح، وملزم للطرفين، فإذا خلَّى البائعُ بين المشتري وبين المحصول، وتمكن من الحصاد، ثم فرط في ذلك، وتلف شيء من المحصول، كان من ضمانه هو، لا من ضمان البائع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في جامع المسائل-: الشارع بعث بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فنهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها؛ لما فيه من المخاطرة من غير حاجة، وأما بعد بدو صلاحها، فهم محتاجون إلى بيعها في هذه الحال، وإن كان فيه نوع مخاطرة؛ لأن المنع من ذلك أشد ضررًا على الناس من المخاطرة، كما في الإجارة؛ لأن المنع منها أشد ضررًا من إباحتها مع المخاطرة، ثم إنه جبر هذا الضرر بوضع الجوائح، فما تلف قبل التمكن من قبضه كان من مال البائع كالمؤجر، وأما إذا تمكن من الجداد والحصاد ففرط حتى تلفت العين، أو أخّر ذلك لطلب ارتفاع السعر، فإن الضمان هنا يكون من ماله. اهـ.
وإذا صح البيع، وثبت الثمن في ذمة المشتري، فلا يجوز للبائع أخذ شيء من المحصول المباع إلا بإذن المشتري؛ لأنه مالكه، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
وإذا أخلَّ المشتري بواجبه في دفع الثمن، فأنقصه أو أخَّره، كان ظالمًا متعديًا، وللبائع مطالبته بحقه كاملاً، ومقاضاته على ذلك.
وإذا اتفق البائع مع المشتري على أخذ كمية معينة من المحصول، فلا حرج في أخذها ولو في غياب المشتري، إذا التزم بحدود الاتفاق ولم يتعدَّ المتفق عليها، إلا إذا اشترط المشتري أن يكون حاضرًا، فيجب على البائع الالتزام بالشرط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه البخاري تعليقًا، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
وإذا اختلف الطرفان في شيء من حقوق العقد أو توابعه، واختصموا في ذلك، فهذا يحتاج إلى نظر القاضي أو المحكَّم؛ ليسمع من الطرفين، ويقف على بيّناتهم، ويدرك حقيقة الدعوى، ويفصل فيها.
والله أعلم.