الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما أشار له السائل الكريم في مقدمة رسالته أمر محزن يحز في نفس كل مخلص ويذوب له قلب كل مؤمن غيور على دينه وأمته، فهذا جزء من جملة الرزايا والمصائب التي أصيب بها المسلمون في هذا العصر أن يكون من أبنائهم وبني جلدتهم من يتجرأ على الله تعالى وعلى رسوله وعلى الدين والأمة وثوابتها المسلّمة.
ولكننا نطمئن السائل الكريم بأن ذلك لا يزيد هذا الدين إلا تمكنا في قلوب الناس، ولا يزيد الأمة إلا صلابة وتمسكا بدينها ومبادئها وثوابتها... وفيما يخص الحديثين اللذين ذكرت، فإن الأول صحيح كما قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، وقد حسنه الترمذي في سننه.
وأما الثاني، فلم نقف عليه بنفس اللفظ، ولكن ورد بلفظ: الرعد ملك يزجر السحاب، والبرق طرف سوط ملك. وقال عنه الحافظ ابن حجر في الإصابة إنه ضعيف.
وأما كون اسم الملك: روفيل أو غيره فلم نقف عليه.
وفي معنى الحديث يقول ابن عبد البر في الاستذكار: جمهور أهل العلم يقولون: الرعد ملك يزجر السحاب، ويجوز أن يكون زجره لها تسبيحاً، لقول الله تعالى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ.
وأمر الملائكة من غيب الله تعالى المكنون الذي ستره عن البشر، فلا يطلعهم عليه إلا من خلال الوحي، فيجب أن يُسلِّموا بما جاء في كتاب الله تعالى أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم لا يعلمون من أمر هذا الكون ومن أمر أنفسهم إلا القليل.
والملائكة لا يعلم حقيقة أمرهم إلا الله عز وجل، كما قال الله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ {المدثر:31}، فمنهم الموكل بالمطر وتكوينه، ومنهم الموكل بالنبات ونموه، ومنهم الموكل بالجنين وتخليقه، ومعرفتنا لكيفية تكوين السحب وحدوث الرعد والبرق، ونمو النبات وتخلق الجنين... لا يعني ذلك أن الملائكة لا تقوم عليها وتوجهها وترعاها... ولا يفقدها ذلك شيئاً من روعتها وجلالها وعظمة قدرة الله تعالى في صنعها، فهو سبحانه وتعالى الذي أطلعنا على هذه الجزئية الضئيلة من العلم؛ كما قال تعالى: وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً{الإسراء:85}.
ولا يعني كذلك أن الرعد أو غيره من مخلوقات الله تعالى لا تسبح بحمد خالقها سبحانه وتعالى، فكل شيء في هذا الكون يسبح بحمده جماداً كان أو نباتاً أو حيواناً، كما قال تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ {الإسراء:44}، فهذا من الأمور الغيبية التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالوحي، وإذا ثبت ذلك فالواجب على المسلم التسليم والوقوف عند نصوص الوحي.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى الحديث المذكور في الفتاوى: وقد روي عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك، كقول من يقول إنه (أي الرعد) اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه، فإن هذا لا يناقض ذلك لأن الرعد مصدر رعد يرعد رعداً، وكذلك الراعد يسمى رعداً، كما يسمى العادل عدلاً، والحركة توجب الصوت، والملائكة هي التي تحرك السحاب وتنقله من مكان إلى مكان، وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة.
ومهما كان صوت الرعد ولمعان البرق ناتجاً بسبب خلخلة الهواء وتوزع شحنات الكهرباء الموجبة والسالبة في السحب الناشئة عن دوران البرد -كما يقولون- أو كان ناشئاً عن اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه أو غير ذلك، فإن ذلك لا يخرجه عن إرادة الله سبحانه وتعالى وقدرته، وأن يكون ذلك بسبب الملك الموكل به، فالمسلم يؤمن بكل ما جاء عن الله تعالى في محكم كتابه أو ما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يلتفت إلى من اتبع الهوى وأراد أن يخضع أمور الغيب لهواه الفاسد.
والله أعلم.