الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما فعله والدك هو عين الربا كما تفضلت، فقد روى البخاري والإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء.
فاشترط -صلى الله عليه وسلم- التماثل بين العوضين في بيع الأجناس المذكورة، بجنسها، وأكد ذلك بقوله: فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء.
ومعلوم أن الطحين هو بر مطحون، فالواجب أن يبادل بمثله دون زيادة، لأن الزيادة ربا كما تقدم، وراجع الفتويين التاليتين: 1920، 26184.
والحل الشرعي لذلك أن يبيع الطحين، ثم يشتري بثمنه ما شاء، ففي الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر فجاء بتمر جنيب (جيد طيب) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل، بع الجمع (الرديء من التمر) بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً.
فدل هذا على الطريقة الشرعية في بيع الأجناس الربوية -كالذهب والفضة والبر والتمر... إلخ- أن لا يبيعها مالكها بجنسها متفاضلة، إنما تباع بالنقود ثم يشتري بالنقود ما أراد.
والواجب على والدك أن يتوب إلى الله، وأن ترجعوا في هذا البيع إن كان يمكن ذلك، فإن لم يمكن، فلا بأس أن تنتفعوا بهذه الأكياس لأنها صارت عوضًا عن ما لكم في ذمة المشتري.
وقد أشار الإمام النووي إلى ذلك في شرحه لصحيح مسلم فقال: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد لمن اشترى صاعا بصاعين (هذا الربا فردوه) هذا دليل على أن المقبوض ببيع فاسد يجب رده على بائعه، وإذا رده استرد الثمن، فإن قيل فلم يذكر في الحديث السابق أنه صلى الله عليه وسلم أمر برده، فالجواب: أن الظاهر أنها قضية واحدة، وأمر فيها برده فبعض الرواة حفظ ذلك وبعضهم لم يحفظه، فقبلنا زيادة الثقة، ولو ثبت أنهما قضيتان، لحملت الأولى على أنه أيضاً أمر به وإن لم يبلغنا ذلك، ولو ثبت أنه لم يأمر به، مع أنهما قضيتان لحملناها على أنه جهل بائعه، ولا يمكن معرفته، فصار مالًا ضائعاً لمن عليه دين بقيمته، وهو التمر الذي قبضه عوضاً.
والله أعلم.