الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا مانع شرعاً -إن شاء الله- أن تكتب أي قراءة من القراءات المتواترة بالخط المغربي وتضبط على ذلك ما دام الخطاط ملتزماً بالرسم العثماني الذي كتب به الصحابة -رضوان الله عليهم- المصحف، وذلك بالتزام الحذف والإثبات والفصل والوصل والبدل، فرسم الصحابة يجب الالتزام به، ولا تجوز كتابة المصحف بالإملاء الاصطلاحي العربي.
وأما الضبط فليس توقيفياً، ولا يلزم التقيد به في كتابة المصحف سواء كان ضبطاً مغربياً أو مشرقياً، فموضوع الضبط: العلامات الدالة على عوارض الحرف التي هي الحركة والسكون... فإذا ضبطت الكتابة بالتشكيل والنقط زال اللبس عن الحروف، بحيث إن الحرف إذا ضبط بما يدل على تحريكه بإحدى الحركات الثلاث لا يلتبس بالساكن ولا يلتبس المضموم بالمكسور... ولا المشدد بالمخفف، وإذا ضبط بما يدل على زيادة أو حذف فإنه لا يلتبس بالأصل الذي هو الرسم العثماني التوقيفي.
وعلى هذا.. فلا مانع من أن تستخدم الضبط المصطلح عليه في المغرب أو المشرق في أي قراءة، والفرق بين الضبط المغربي والمشرقي يكاد ينحصر في أشياء قليلة؛ كنقطة الابتداء بهمز الوصل وصلته التابعة للحركة التي قبله، ونقطة الإمالة وتمييزها عن نقطة الإشمام والاختلاس...
وما ذكره السائل الكريم من التمثيل بضبط الداني بقوله "كالداني" فلم نقف للإمام الداني رحمه الله تعالى- على ضبط؛ وإنما المشتهر عند أهل الفن أن الضبط مر بثلاث مراحل، الأولى على يد أبي الأسود الدؤلي من أصحاب الإمام علي رضي الله عنه، والثانية على يد يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم في عهد الحجاج وبإشرافه، والثالثة على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى سنة بضع وستين ومائة في عهد الدولة العباسية وهذه آخر مرحلة من مراحل ضبط القرآن، وعليها استقر إلى يومنا هذا. وإنما طرأت عليه إضافات وتحسينات بسيطة، والإمام الداني -رحمه الله تعالى- توفي بعد ذلك بكثير سنة 444هـ بعد ما استقر الضبط على الوضع الذي بين أيدينا تقريباً، وقد جاء نظم هذه المراحل في كتاب المبسوط في المرسوم والمضبوط للدّنبجه الشنقيطي حيث يقول:
أَوّلُ وَاضع لعلمِ الضبط * التابعون مُبْدَأً بالنّقطِ
وصحَّ أن أبا الأسودِ نَقْط * نَقْطَ الأواخِر للاعراب فقط
إلى أن يقول:
فأمرَ الحجاجُ نجل يَعْمُرِ * يحيى، ونَصْراً بن عاصم السّري
فأَعجما بعضَ الحروف بالُنقَطْ * وشَكَّلا الأول فيها والوسط
أما الأواخر ففيها الدّؤلي * قَبْلَهما فَعَلَ مَا لم يُفَعل
حتى انقضى أمرُ بني مروان * والنقْط ضبطُ كَلِمِ القرآن
ثمَّ أتى الخليلُ نجلُ أحمدا * وقومَه فأبعدوا فيه المدى
وحَوّلوا في ذلك التعديل * نقطَ مُحرَّك إلى التشكيل
وصار في عصر بني العباسِ * لليوم وهو عملٌ للناس
وأما علاقة الضبط بالقراءة فإن الضبط تابع للقراءة، ومن أراد كتابة مصحف بقراءة معينة فيجب أن يلتزم فيه بالرسم بغض النظر عن قراءة القارئ، ولكن عليه أن يضبط كتابته ويشكل حروفها حسب نطق القارئ.
وكمثال على ذلك فإن كلمة "فتبينوا" في سورة الحجرات تكتب بالرسم مجردة من النقط لجميع القراء، وإذا أردنا ضبطها لنافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم وأبي جعفر ويعقوب ضبطناها هكذا "فَتَبَيَّنُوا" من البيان.
وإذا ضبطناها للباقين وهم: حمزة والكسائي وخلف فإننا نضبطها هكذا "فَتَثَبَّتُوا" من التثبت، وهكذا في جميع مواضع الاختلاف فإننا نضبطها كما ينطقها القارئ الذي كتبنا المصحف بقراءته مع الاحتفاظ بالرسم العثماني. والحاصل أنه لا مانع من كتابة المصحف بأي خط عربي وضبطه بأي ضبط ما دام الخطاط ملتزماً برسم الصحابة.
والله أعلم.