الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فيجب أولاً أن نسمي الأمور بمسمياتها الصحيحة؛ ليكون حكمها بيناً، وواضحاً، فنقول: (الربا) بدلاً من (الفوائد)؛ لأن الربا هو الاسم الصحيح لما تنتهجه هذه البنوك، وقد لجأ المتعاملون بالربا إلى تغيير اسمه؛ ليخف وطؤه لدى من عندهم دين، وخشية لله، فظن هؤلاء أن تغيير الاسم يغير من الحقيقة شيئاً، وصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، إذ يقول: يأتي على الناس زمان يستحلون فيه الحِرَ، والحرير، والخمر، والمعازف، يسمونها بغير اسمها. رواه البخاري، وتغيير اسم هذه المحرمات لا يبعدها عن حقيقة التحريم.
وهذه البنوك قائمة على الربا المحرم، وهي بذلك تحارب الله جهرة. قال -تعالى-: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين* فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون [البقرة:278-279]. وعلى هذا فإنه لا يجوز الإيداع فيها أصلاً؛ لأنه إعانة لهذه البنوك على معصية الله، ومن أعان صاحب معصية على معصيته اشترك معه في الإثم، قال -تعالى-: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [المائدة:2].
ولا يجوز للمسلم أن يرتكب الحرام، ويسعى إليه بحجة أنه بعد ذلك يتخلص من إثمه، وعاره؛ فإن السلامة لا يعدلها شيء، أو يتوهم أنه يتصدق به، وهو كسب خبيث، والله طيب لايقبل إلا طيبا . فهذا من تلبيس الشيطان، وتزيينه. بل وما يدريك لعل الشيطان يزين لك هذا المال، بحجة أنك محتاج، أو يحدث أمر ما فيفضي المال إلى ورثتك، فيأخذونه جميعاً، وتحاسب أنت عليه كله. وحتى لو كنت متأكداً من نفسك، فلا يجوز أن تورد نفسك المهالك، ثم بعد ذلك تبحث سبل النجاة منها، ويكفي من فعل ذلك أنه قد أعان مبارز الله بالمعاصي.
إذا تبين هذا، فتبقى حالة واحدة يجوز فيها الإيداع في هذه البنوك، وهي ما إذا كنت مضطراً إلى حفظ مالك، ولم تجد مكاناً آمنا، أو بنكاً إسلامياً، وكنت تخشى على مالك الضيعة، فعندئذ يجوز لك وضعه فيه، حتى تجد المكان الآمن، وما يخرج منه من رباً خلال فترة جعله في البنك الربوي، فعليك أن تتخلص منه بوضعه في السبيل العام، ومصالح المسلمين.
والله أعلم.