الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن أحرم بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج، فإنه يلزمه أن يذبح هدياً، فإن لم يجد الهدي فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، لقوله تعالى: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ {البقرة: 196}.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب صيام هذه الأيام الثلاثة ما بين إحرامه بالحج ويوم عرفة لقوله تعالى: (فِي الْحَجِّ ).
وأجاز الحنفية والحنابلة صيامها من حين إحرامه بالعمرة، وذهب أحمد في رواية عنه إلى جواز صيامها إذا حل من العمرة.
قال ابن قدامة في المغني: فصل: ولكل واحد من صوم الثلاثة والسبعة وقتان، وقت جواز، ووقت استحباب. فأما وقت الثلاثة، فوقت الاختيار لها أن يصومها ما بين إحرامه بالحج ويوم عرفة، ويكون آخر الثلاثة يوم عرفة. قال طاوس: يصوم ثلاثة أيام، آخرها يوم عرفة. وروي ذلك عن عطاء والشعبي ومجاهد والحسن والنخعي وسعيد بن جبير وعلقمة وعمرو بن دينار وأصحاب الرأي.
وروى ابن عمر وعائشة أن يصومهن ما بين إهلاله بالحج ويوم عرفة. وظاهر هذا أن يجعل آخرها يوم التروية. وهو قول الشافعي، لأن صوم يوم عرفة بعرفة غير مستحب. وكذلك ذكر القاضي في المحرر. والمنصوص عن أحمد الذي وقفنا عليه مثل قول الخرقي: أنه يكون آخرها يوم عرفة، وهو قول من سمينا من العلماء، وإنما أحببنا له صوم يوم عرفة هاهنا لموضع الحاجة.
وعلى هذا القول يستحب له تقديم الإحرام بالحج قبل يوم التروية، ليصومها في الحج، وإن صام منها شيئاً قبل إحرامه بالحج جاز. نص عليه.
وأما وقت جواز صومها، فإذا أحرم بالعمرة، وهذا قول أبي حنيفة. وعن أحمد أنه إذا حل من العمرة. وقال مالك والشافعي: لا يجوز إلا بعد إحرام الحج. ويروى ذلك عن ابن عمر، وهو قول إسحاق وابن المنذر، لقول الله تعالى: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ، ولأنه صيام واجب، فلم يجز تقديمه على وقت وجوبه، كسائر الصيام الواجب، ولأن ما قبله وقت لا يجوز فيه المبدل، فلم يجزالبدل، كقبل الإحرام بالعمرة.
وقال الثوري والأوزاعي: يصومهن من أول العشر إلى يوم عرفة. ولنا، أن إحرام العمرة أحد إحرامي التمتع، فجاز الصوم بعده، كإحرام الحج، فأما قوله: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ فقيل: معناه في أشهر الحج، فإنه لابد من إضمار، إذ كان الحج أفعالاً لا يصام فيها، إنما يصام في وقتها، أو في أشهرها. فهو في قول الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ . وأما تقديمه على وقت الوجوب، فيجوز إذا وجد السبب، كتقديم الكفارة على الحنث، وزهوق النفس. وأما كونه بدلاً، فلا يقدم على المبدل...
وأما تقديم الصوم على إحرام العمرة فغير جائز، ولا نعلم قائلاً بجوازه إلا رواية حكاها بعض أصحابنا عن أحمد، وليس بشيء، لأنه لا يقدم الصوم على سببه ووجوبه، ويخالف قول أهل العلم. وأحمد ينزه عن هذا. انتهى كلامه.
وعلى هذا، فيجوز صومها في المدينة بعد التحلل من العمرة وقبل يوم عرفة. أما بعد عرفة فاختلف في جواز صيامها في أيام التشريق، وقد أجاز المالكية صيامها فيها وهو الظاهر عند الحنابلة، وراجع الفتوى رقم: 11359، والفتوى رقم: 18245.
وأما بعد أيام التشريق، فإنه يصومها قضاء لفوات وقتها، واعلم أنه لا يلزم التتابع في صيام بدل الهدي عند الفقهاء. قال ابن قدامة: لا نعلم فيه مخالفاً.
والله أعلم.