الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فينبغي التنبيه إلى الفرق بين الشك والوسوسة، فالوسوسة تهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهها العبد ونفاها كانت كراهته صريح الإيمان، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 7950.
وكذلك من كان يستعظم أمر تلك الوسوسة، ويخاف من ورودها عليه، ويدفعها عنه قاطعاً سبيلها إلى قلبه، رافضا له متعوذا بالله من الشيطان فذاك صاحب إيمان صريح، بخلاف من تابع الوسوسة ووصل معها درجة الشك التي تزعزع أركان الإيمان، فذلك من يخاف عليه الشرك، والشك نقيض اليقين وهو التردد بين الشيئين كالذي لا يجزم بوقوع البعث أو عدمه، وراجع الفتوى رقم: 5398.
والإنسان قد يطرأ في نفسه نوع شك لكنه مع ذلك مصدق بالله ورسوله، قال ابن تيمية: ولكن ليس كل من دخل عليه شعبة من شعب النفاق والزندقة فقبلها جهلا أو ظلما يكون كافرا منافقاً في الباطن، بل قد يكون معه من الإيمان بالله ورسوله ما يجزيه الله عليه، ولا يظلم ربك أحداً. انتهى.
والظاهر من سؤالك الأول أنك تكلمت بهذا الكلام وأنت كاره له، من أجل أن ترتاح، فأنت في تلك الحال صاحب إيمان والحمد لله رب العالمين، وإن كان الأفضل عدم التحدث بما طرأ عليك ولكن تدفعه عنك بالاستعانة بالله أولاً والالتجاء إليه، وبكثرة الذكر والعمل الصالح والعلم النافع فهو السبيل الأمثل لرد كيد الشيطان ووساوسه، وراجع الفتوى رقم: 2783، والفتوى رقم: 8759.
أما من أشرك بالله تعالى فالتوبة النصوح تجب ما قبلها وإن كان شركاً بالله تعالى، قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82}، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وقال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:146}، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً، وراجع الفتوى رقم: 1882.
والله أعلم.