الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان الرجل المذكور قد اشترى غلاما شراء صحيحا ممن كان يملكه ملكا شرعيا فإنه لا يجزئه أن يدفع له الزكاة بنوعيها لوجوب نفقته على مالكه وإخراج زكاة فطره، فإذا دفع إليه الزكاة فكأنه قد دفعها لنفسه، لأن مال العبد لسيده. قال البهوتي في كشاف القناع الحنبلي:
ولا يجوز دفع الزكاة إلى عبد كامل الرق ولو كان سيده فقيرا، لأن نفقته واجبة على سيده فهو غني بغناه، وما يدفع إليه لا يملكه، وإنما يملكه سيده، فكأنه دفع إليه. انتهى.
وفي الدر المختار وهو حنفي متحدثا عن الحالات التي لا تجزئ فيها الزكاة: ولا إلى مملوك المزكي ولو مكاتبا أو مدبرا. انتهى.
أما إذا كان الغلام لا يملكه بائعه ملكا شرعيا بأن كان والده أو اختطفه من ذويه فلا يجوز شراؤه ولا استرقاقه، لأنه حر لا يباع ولا يوهب. قال ابن قدامة في المغني: ولا يجوز بيع الحر وما ليس بمملوك كالمباحات قبل حيازتها وملكها، ولا نعلم في ذلك خلافا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيام: رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوف أجره. رواه البخاري.
وقال تقي الدين السبكي الشافعي في الفتاوى: والذي باع حرا فأكل ثمنه جنى على حق الله، فإن حقه في الحر إقامته لعبادته التي خلق الجن والإنس لها. قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} فمن استرق حرا فقد عطل عليه العبادات المختصة بالأحرار كالجمعة والحج والجهاد والصدقة وغيرها، وكثيرا من النوافل المعارضة لخدمة السيد، فقد ناقض حكمة الله تعالى في الوجود ومقصوده من عباده، فلذلك عظمت هذه الجريمة. انتهى.
وفي حالة كون الشراء لا يجوز فيحق للمشتري الرجوع على البائع بالثمن الذي خرج من يده.
إضافة إلى إيصال الغلام إلى ذويه إن وجدوا وقدرعلى ذلك فإن بقي الغلام عند المشتري ينفق عليه تبرعا فلا مانع منه أن يدفع له الزكاة بنوعيها إن كان ممن يستحقها، كما سبق في الفتوى رقم: 59507.
والله أعلم.