الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد تكلم ابن حجر في الإصابة عن حياة أبي موسى رضي الله تعالى عنه فذكر اسمه ونسبه وهجرته ونشاطه في تفقيه الناس وما تولاه من الولايات وما قام به من الفتوحات، ومن أخذ عنه من الصحابة والتابعين فقال عنه: عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر بن غنم بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر أبو موسى الأشعري.
مشهور باسمه وكنيته معا، وأمه ظبية بنت وهب بن عك أسلمت وماتت بالمدينة، وكان هو سكن الرملة، وحالف سعيد بن العاص ثم أسلم وهاجر إلى الحبشة وقيل بل رجع إلى بلاد قومه ولم يهاجر إلى الحبشة وهذا قول الأكثر، فإن موسى بن عقبة بن إسحاق والواقدي لم يذكروه في مهاجرة الحبشة، وقدم المدينة بعد فتح خيبر وصادفت سفينته سفينة جعفر بن أبي طالب فقدموا جميعاً، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض اليمن كزبيد وعدن وأعمالهما، واستعمله عمر على البصرة بعد المغيرة فافتتح الأهواز ثم أصبهان، ثم استعمله عثمان على الكوفة، ثم كان أحد الحكمين بصفين ثم اعتزل الفريقين.
وأخرج ابن سعد والطبري من طريق عبد الله بن بريدة أنه وصف أبا موسى فقال: كان خفيف الجسم قصيرا ثطا، وروى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الأربعة ومعاذ وابن مسعود وأبي بن كعب وعمار، روى عنه أولاده موسى وإبراهيم وأبو بردة وأبو بكر وامرأته أم عبد الله، ومن الصحابة أبو سعيد وأنس وطارق بن شهاب، ومن كبار التابعين فمن بعدهم زيد بن وهب وأبو عبد الرحمن السلمي وعبيد بن عمير وقيس بن أبي حازم وأبو الأسود وسعيد بن المسيب وزر بن حبيش وأبو عثمان النهدي وأبو رافع الصائغ وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وربعي بن حراش وحطان الرقاشي وأبو وائل وصفوان بن محرز وآخرون.
قال مجاهد عن الشعبي كتب عمر في وصيته لا يقر لي عامل أكثر من سنة وأقروا الأشعري أربع سنين وكان حسن الصوت بالقرآن، وفي الصحيح المرفوع: لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود. وقال أبو عثمان النهدي ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا ناي أحسن من صوت أبي موسى بالقرآن. وكان عمر إذا رآه قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى. وفي رواية: شوقنا إلى ربنا، فيقرأ عنده.
وكان أبو موسى هو الذي فقه أهل البصرة وأقرأهم، وقال الشعبي: انتهى العلم إلى ستة فذكره فيهم، وذكره البخاري من طريق الشعبي بلفظ العلماء، وقال ابن المدائني: قضاة الأمة أربعة عمر وعلي وأبو موسى وزيد بن ثابت. وأخرج البخاري من طريق أبي التياح عن الحسن قال: ما أتاها يعني البصرة راكب خير لأهلها منه يعني من أبي موسى، وقال البغوي: حدثنا علي بن مسلم حدثنا أبو داود حدثنا حماد عن ثابت عن أنس كان لأبي موسى سراويل يلبسه بالليل مخافة أن ينكشف، وقال أصحاب الفتوح: كان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن وغيرهما من اليمن وسواحلها.
ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وشهد فتوح الشام ووفاة أبي عبيدة، واستعمله عمر على إمرة البصرة بعد أن عزل المغيرة، وهو الذي افتتح الأهواز وأصبهان، وأقره عثمان على عمله قليلاً ثم صرفه، واستعمل عبد الله بن عامر فسكن الكوفة وتفقه به أهلها حتى استعمله عثمان عليهم بعد عزل سعيد بن العاص، قال البغوي: بلغني أن أبا موسى مات سنة اثنتين وقيل أربع وأربعين وهوابن نيف وستين، قلت: بالأول جزم ابن نمير وغيره، وبالثاني أبو نعيم وغيره، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: عاش ثلاثا وستين، وقال الهيثم وغيره: مات سنة خمسين، زاد خليفة ويقال سنة إحدى، وقال المدائني: سنة ثلاث وخمسين، واختلفوا هل مات بالكوفة أو بمكة.
والله أعلم.