الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز تولي المرأة القضاء والوزارة، وذهب أبو حنيفة إلى جواز توليها القضاء في الأموال دون القصاص والحدود. وقال محمد بن الحسن وابن جرير الطبري: يجوز أن تكون المرأة قاضية على كل حال. إلا أن ابن العربي: في " أحكام القرآن" نفى صحة ذلك عن ابن جرير الطبري، وتأول قول أبي حنيفة بأن مراده أن تقضي المرأة فيما تشهد فيه على سبيل الاستبانة في القضية الواحدة، لا أن تكون قاضية، قال: وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير. واستدل الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة وأهل الحديث على قولهم بأدلة عديدة، منها: 1ـ عدم تكليفها بهذه الولايات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ {النساء: 105}. قال ابن قدامة في " المغني": لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاءً ولا ولاية بلد، فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبا. 2ـ قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء: 34}. قالوا: فهذه الولاية وهي ولاية الأسرة هي أصغر الولايات، وإذ منع الله المرأة من تولي هذه الولاية، فمن باب أولى منعها من تولي ما هو أكبر منها، كالقضاء والوزارة. 3ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. رواه البخاري. قال ابن حجر في "الفتح": قال ابن التين: استدل بحديث أبي بكرة من قال: لا يجوز أن تولى المرأة القضاء، وهو قول الجمهور. 4ـ حديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار. رواه أصحاب السنن بإسناد صحيح. قال مجد الدين ابن تيمية في " منتقى الأخبار" عقبه: وهو دليل على اشتراط كون القاضي رجلا. 5ـ الأحاديث النبوية المستفيضة في شأن المرأة، لا تجعل للمرأة ولاية على غيرها، بل ولا على نفسها في أخص شأن من شؤونها وهو النكاح، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي... . ، وكذلك جاءت السنة بمنع المرأة من السفر وحدها دون محرم، ولا أن تخلو بغير محارمها. 6ـ آيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم تؤكد أن حجب النساء على الرجال أطهر للقلوب وأصلح للمجتمع، قال الله تبارك وتعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً*وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 32ـ33}. وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ {الأحزاب: 53}. قال ابن العربي في " أحكام القرآن" : فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير.. تجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولم يفلح قط من تصور هذا ولا من اعتقده. 7ـ إجماع الأمة على منعها من تولي منصب الإمامة الكبرى، أي الخلافة على جميع المسلمين أو بعضهم، ولم يخالف في ذلك أحد من علماء المسلمين في كل عصورهم، قالوا: والقضاء فرع عن الإمامة العظمى، فلا يجوز أن تتولاه امرأة. قال محمد بن أحمد الفاسي في" الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام" المعروف بشرح ميارة : واشترطت فيه ـ أي القضاء ـ الذكورة لأن القضاء فرع عن الإمامة العظمى، وولاية المرأة الإمامة ممتنع لقوله صلى الله عليه وسلم: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. فكذلك النائب عنه لا يكون امرأة. ويلاحظ من سرد هذه الأدلة أن الجمهور لم يستدلوا على عدم جواز تولي المرأة القضاء بحديث أبي بكرة فقط، بل ذكروا أدلة كثيرة، منها ما ذكره السائل من أن القضاء فرع من الإمامة العظمى.
والله أعلم.