تخصيص بعض المسجد لانتظار السيارات والاجتماعات

20-3-2005 | إسلام ويب

السؤال:
توجد هناك أرض موقوفة لبناء مسجد وبعد هدمه تم تجديده وبناؤه من 3 طوابق هل يجوز أن نخصص الطابق الأرضي مكان انتظار للسيارات وقاعة للاجتماعات، وهل تصير الأرض الموقوفة لبناء المسجد مسجدا بعد إزالته من حيث حرمتها وتأخذ حكم المسجد أم تبقى هي موقوفة لبناء المسجد فحسب، وذلك على مذهب الإمام الشافعي؟ وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن وقف أرضا للصلاة فإنها تصير مسجدا بمجرد وقفها سواء بنيت أم لا، فيجوز الاعتكاف فيها وتندب التحية عند دخولها ويحرم مكث الجنب والحائض فيها لأن المسجد هو ما وقف للصلاة ولو بنيت ثم هدمت فإنها تبقى مسجدا بعد انهدام البناء الذي بني عليها، كما هو الحال في السؤال.

وأما جعل الدور الأول منها مواقف للسيارات أو قاعات للاجتماعات ونحو ذلك ففيه وجهان عند السادة الشافعية رحمهم الله تعالى ،المعتمد منهما عدم الجواز، لما في ذلك من تغيير الوقف، واستثنوا ما إذا شرط الواقف ذلك عند وقفه، والوجه الثاني الجواز، وإن لم يشرط ما دام في ذلك مصلحة للموقوف عليهم لأن في ذلك عودا عليه بزيادة الأجر الذي قصده من الوقف، وإليك كلام أئمة الشافعية في هذه المسألة، قال الإمام النووي في منهاج الطالبين: والأصح أن قوله.... جعلت البقعة مسجدا تصير به مسجدا. انتهى، يعني أن قوله هذا وقف صريح وبه تصبح مسجدا ويؤكد ذلك قوله في المجموع: قال الشافعي في الأم: إذا نذر اعتكافا ثم دخل مسجدا فاعتكف فيه ثم انهدم المسجد، فإن أمكنه أن يقيم فيه أقام حتى يتم اعتكافه، وإن لم يمكنه خرج، فإذا بني المسجد عاد وتمم اعتكافه، هذا نصه، قال أصحابنا: إن بقي موضع يمكن الإقامة فيه أقام ولا يجوز أن يخرج إن كان اعتكافا منذورا، وإن لم يبق منه موضع تمكن الإقامة فيه خرج فأتم اعتكافه في غيره من المسجد، ولا يبطل اعتكافه بالخروج، لأنه لحاجة. انتهى.

وقال الشيخ عبد الله الشرقاوي رحمه الله في حاشيته على تحفة الطلاب: ولا يباع موقوف وإن خرب كشجرة جفت ومسجد انهدم وتعذرت إعادته إدامة للوقف في عينه ولأنه يمكن الانتفاع به كصلاة واعتكاف في أرض المسجد. انتهى.

وعليه فما دامت الأرض المذكورة موقوفة مسجدا فيصح الاعتكاف فيها، ويندب التحية عند دخولها، ولا يصح جعل الطابق الأرضي منها مواقف للسيارات أو قاعات للاجتماعات أو غير ذلك على المعتمد في المذهب لأنه يغير الوقف ما لم يكن الواقف قد شرط ذلك عند وقفه، قال الشيخ ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى في الفتاوى: وحاصل كلام الأئمة في التغيير أنه لا يجوز تغيير الوقف عن هيئته فلا يجعل الدار بستانا ولا حماما ولا بالعكس إلا إذا جعل الواقف إلى الناظر ما يرى فيه مصلحة الوقف، وفي فتاوى القفال أنه يجوز أن يجعل حانوت القصارين للخبازين، قال الشيخان: وكأنه احتمل تغير النوع دون الجنس، وظاهر كلامهما جواز التغيير حيث بقي الاسم والجنس، سواء أكان يسيرا أو كثيراً، وسواء اقتضته المصلحة أم لا، وسواء كان فيه إذهاب شيء من عين الوقف أم لا، والظاهر أن ذلك غير مراد لهما كالأصحاب إذ يلزم عليه خرق عظيم ومفاسد لا تخفى... انتهى.

وفي وجه أن ذلك يجوز للمصلحة وقد أفتى به أحد علماء الشافعية في هذا العصر وهو الشيخ عمر بن حامد الجيلاني حفظه الله جوابا عن سؤال ورد عليه حاصله أن السائلين يريدون تجديد بناء مدرسة وجعل الدور الأسفل منها دكاكين تعود غلتها للمدرسة فأجاب بأن في المذهب وجهين المعتمد منهما المنع، ثم اختار الوجه الآخر القائل بالجواز نظرا للمصلحة وتطلع الواقفين إلى ما فيه زيادة الأجر وإن لم ينصوا عليه عند الوقف ،وهذا نص كلامه بتصرف يسير: فقهاء السادة الشافعية يمنعون تغيير مسمى الوقف عن هيئته تغييرا يؤدي إلى زوال اسمه وجنسه ويمثلون لذلك بتغيير الأرض الموقوفة إلى بستان، ويستثنون من ذلك المنع إذن الواقف للناظر بأن يفعل ما فيه المصلحة للوقف فيجيزون حينئذ التغيير هذا معتمدهم غير أن عددا منهم يرى جواز التغيير إذا اقتضته مصلحة الوقف بل مصلحة المسلمين وإن لم يأذن بذلك الواقف وقالوا إن أغراض الواقفين ينظر إليها وإن لم يصرحوا بها من حيث إن غرضهم زيادة الربح ونماؤه لتعظم المثوبة للواقف وتكثر حسناته ويتضاعف انتفاع الموقوف عليهم بالوقف وهي أغراض يسعى إليها الواقفون ويرتضونها ولذا كان بعض الواقفين يكتب في صيغة وقفه: وعلى الناظر فعل ما فيه النماء والمزيد للغلة وقد نقل الشيخ ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الكبرى كلاما للأذرعي قال فيه: وللأذرعي في مسألة تغيير معالم الوقف اختيار ذكره في موضع آخر من توسطه فلا بأس بذكره ليستفاد، قال القاضي: لو أرادوا أن يغرسوا في أرض الوقف هل لهم ذلك؟ يحتمل وجهين: أحدهما لهم ذلك، والثاني لا يجوز لأن فيه تغيير شرط الواقف. ثم ساق -ابن حجر- ما يدعم الاحتمال الثاني وأعقبه بقوله: (ويطرق هذا قول الشيخين السابق لا يجوز تغيير الوقف، والمختار الأقوى الجواز، وإن لم يشترط الواقف التغيير ما لم يصدر عنه نص أو إجماع إذ غرض الواقف الاستعمال وتكثير الريع على الموقوف عليه بلا شك لا مسمى البستان ونحوه، وقد قال القفال: إنه لا بد من النظر إلى مقاصد الواقفين، وكل أحد يجزم بأن غرضه توفير الريع على جهة الوقف، وقد يحدث على تعاقب الأزمان مصالح لم تظهر في الزمن الماضي وتظهر الغبطة في شيء يقطع بأن الواقف لو اطلع عليه لم يعدل عنه فينبغي للناظر أو الحاكم فعله والله يعلم المفسد من المصلح، ولا سيما إذا عظمت الأجرة وتضاعفت الفائدة، والتسمية بالدار أو البستان إنما يقصد به غالبا التعريف لإبقاء الاسم مع ظهور المصلحة الظاهرة في غيره ظهوراً عظيماً، كدار ظهرها مجاور لسوق أخذت أجرتها في الشهر عشرة مثلاً، ولو عملت حوانيت فبلغت مائة أو مائتين مع خفة عمارتها ومرمتها فيما يستقبل، وحينئذ فلا معنى للجمود على بقاء اسم الدار من غير تنصيص من الواقف عليه، وقول الشروطي وقف جميع الدار أو البستان للتعريف، والمختار من وجهي القاضي حسين الأول عند ظهور المصلحة في الغرس وعليه العمل ببلاد الشام في قرى الاستغلال من غير نكير، فهذا ما ظهر لي فإن يكن صوابا فمن الله سبحانه وتعالى وتوفيقه وإلا فهو مني، وأكثر الواقفين يقول في شرطه وعلى الناظر فعل ما فيه النماء والمزيد لغلاته ونحو ذلك. انتهى كلام الأذرعي. وهو مصرح فيه كما ترى بأن اختياره هذا خارج عن المذهب إذ المذهب كما علم مما مر أنه متى أدى التغيير إلى تغيير الاسم مع الجنس كأن يجعل الدار بستانا أو حماما امتنع، بخلاف جعل حانوت الحداد حانوت قصار لبقاء الاسم، وإنما المتغير النوع دون الجنس. 

ونقل ابن حجر في الفتاوى قولا لابن الرفعة نصهوهذا يفهم أن أغراض الواقفين، وإن لم يصرح بها ينظر إليها وقد صرح بذلك القفال فقال: لا بد من النظر إلى مقاصد الواقفين ثم قال ابن الرفعة: ولهذا كان شيخنا عماد الدين رحمه الله تعالى يقول: إذا اقتضت المصلحة تغيير بعض بناء الوقف في صورته لزيادة ريعه جاز ذلك، وإن لم ينص عليه الواقف بلفظه، لأن دلالة الحال شاهدة بأن الواقف لو ذكره في حالة الوقف لأثبته في كتاب وقفه، ثم ذكر أن كثيراً من العلماء المشهود لهم بالصلاح ارتضوا هذا القول وهم ممن يغتبط بمعرفة رضاهم وفي فتاوى الأشخر كما في عمدة المفتي والمستفتي ما يوافق هذا ويؤيده، يقول العبد الفقير عمر بن حامد الجيلاني وإن كان هذا الوجه خارج المذهب كما صرح به ابن حجر وغيره إلا أنه يتسق مع مقاصد الشرع من إنشاء الوقف والسعي إلى زيادة ريعه وتطلع الموقوف عليهم إلى نمائه وفي مسألة المدرسة المسؤول عنها لن يكون بناء الدكاكين في أرض المدرسة التي سيعود إجارها وربحها لمصلحة المدرسة تغييرا لكامل مسمى الوقف وإنما هو نقل للموقوف من قاعة إلى هوائه وهواء الموقوف موقوف كما صرح به الفقهاء. انتهى كلام الجيلاني.

وبهذا يكون مذهب الشافعية قد اتضح في المسألة إن شاء الله وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه. 

والله أعلم.     

www.islamweb.net