الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمسألة التي سأل عنها السائل الكريم مسألة طويلة المباحث وفيها تفصيل، فلا يطلق القول بأن حقوق العباد مقدمة على حقوق الله تعالى، ولا يطلق القول بالعكس أيضاً، وبالتفصيل يتبين الصواب، ونحن هنا ننقل بتصرف واختصار ما قاله العلامة العز بن عبد السلام في هذا المبحث وفيه الكفاية. يقول رحمه الله:
الفصل السادس: فيما يتقدم من حقوق الرب على حقوق عباده إحساناً إليهم في أخراهم، وله أمثلة منها: تقديم الصلوات المفروضات عند ضيق الأوقات على الرفاهية والشراب والطعام.. ومنها: تحمل المشقات في العبادات فإنها مقدمة على قضاء الأوقات والراحات.. ومنها: بذل النفوس والأموال في قتال الكفار..
الفصل السابع: فيما يتقدم من حقوق العباد على حقوق الرب رفقاً بهم في دنياهم، وله أمثلة منها: التلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه حفظا للنفوس والأعضاء.. ومنها: الأعذار المجوزة لترك الجماعات والجُمُعات.. ومنها: الأعذار المجوزه لترك الجهاد.. ومنها: تأخير الصيام بالأمراض والأسفار.
الفصل الثامن: فيما اختلف فيه من تقديم حقوق الله على حقوق عباده وله أمثلة:
أحدها: إذا مات وعليه ديون وزكوات فإن كانت نصب الزكوات باقية قدمت الزكوات لأن تعلقها بالنصب يشبه تعلق الديون بالرهون، وإن كانت تالفة فمن العلماء من قدم الديون نظراً إلى رجحان المصلحة في حقوق العباد، ومنهم من سوى بينهما لتكافؤ المصلحتين عنده، ومنهم من قدم الزكوات نظراً إلى رجحان المصلحة في حقوق الله، وهذا هو المختار لوجهين: أحدهما: قوله صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق بالقضاء.
والثاني: أن الزكوات فيها حق الله وحق الفقراء والمساكين فكانوا أحق بالتقديم فلا يجوز تقديم واحد على حقين. المثال الثاني: اجتماع الحج والديون على الميت، فمنهم من قدم الحج لورود النص في تقديمه، ومنهم من يقدم الدين، ومنهم من يسوي بينهما إن وجد من يحج بالحصة . اهـ.
والله أعلم.