الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الإنصات للخطبة يوم الجمعة واجب سواء في مكة وغيرها، إلا أن بعض العلماء نص على عدم حرمة الطواف أثناء خطبة الجمعة، قال: لأنه أي الطواف لا يتنافى مع الاستماع للخطيب، وممن نص على ذلك ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى له، ففيها: (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي مَكَّة وَهَلْ الطَّوَافُ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ كَالصَّلَاةِ وَهَلْ يَحْرُمُ اسْتِدَامَةُ الصَّلَاةِ كَابْتِدَائِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي مَكَّة كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذَا عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِوُرُودِ النَّصِّ ثَمَّ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي حُرِّمَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهَا هُنَا مِنْ إشْعَارِ الصَّلَاةِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْخَطِيبِ مَوْجُودَةٌ فِي مَكَّة وَغَيْرِهَا وَعِلَّةُ النَّهْيِ إمَّا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ أَوْ مَعْقُولَته فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْجُودَةً هُنَا وَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ ثَمَّ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الطَّوَافَ لَيْسَ كَالصَّلَاةِ. وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ وَالِاسْتِمَاعَ لَا يُنَافِيه بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَالْأَشْعَارُ فِيهَا أَقْوَى وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ يُحْتَمَلُ حُرْمَتُهَا إلْحَاقًا لَهَا بِالصَّلَاةِ كَمَا أَلْحَقُوهَا بِهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ حُرْمَتِهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهَا فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَلْحَقُوهَا بِهَا ثَمَّ فَهُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا أَضْيَقُ إذْ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا لَهَا سَبَبٌ وَغَيْرِهَا حَتَّى الْفَائِتَة الْفَوْرِيَّةِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ هُنَا خِلَافًا لِمَنْ اعْتَمَدَ خِلَافَهُ وَظَاهِرُ تَعْبِيرهمْ بِتَحْرِيمِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ عَدَمُ حُرْمَةِ الِاسْتِدَامَةِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. قَالَ وَخَرَجَ بِابْتِدَائِهِ دَوَامُهُ نَعَمْ يَحْرُمُ التَّطْوِيلُ اهـ.
وَإِنَّمَا حُرِّمَ التَّطْوِيلُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي نَحْوِ التَّحِيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً بِأَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ. انتهى.
لكن استماع الخطبة أولى من الطواف لأن الطواف يمكن تحصيله في كل وقت، وسماع الخطبة بصفة كاملة لا يمكن إلا في هذا الوقت. والله أعلم.