الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلفت الأسباب التي جعلت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهدر دم الأربعة المذكورين في الحديث، وهم: عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح. فمنهم من ارتد وقتل أحدا من المسلمين، ومنهم من ارتد وكان يدعي أنه كان يصرف النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بعض كلمات الوحي، فيكتب غير ما أنزل، ومنهم من كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عبد البر في الاستذكار: عن ابن إسحاق قال وأما قتل عبد الله بن خطل فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه وهو رجل من بني تيم بن غالب. قال وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه بعثه مصدقا، وكان مسلما وبعث معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى له يخدمه وكان مسلما، فنزل ابن خطل منزلا وأمر المولى أن يذبح له شاة ويصنع له طعاما. فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركا. قال أبو عمر فهذا القتل قود من مسلم. ومثل هذا قصة مقيس بن صبابة قتل مسلما بعد أخذ الدية وهو أيضا مما هدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه في حين دخوله مكة، ... قال لما كان فتح يوم مكة أمن رسول الله أهل مكة إلا أربعة نفر... وقال
اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح. فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشد الرجلين فقتله...
وفي الاستيعاب: أن عبد الله بن سعد بن أبي السرح كان قد أسلم قبل الفتح، وهاجر وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتد مشركا وصار إلى قريش بمكة، فقال لهم: إني كنت أصرف محمدا حيث أريد كان يملي علي: "عزيز حكيم " فأقول: أو عليم حكيم فيقول: " نعم كل صواب ". فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله... ففر إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة فغيبه عثمان حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال: نعم فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله: " ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه " . وقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلي يا رسول الله فقال : " إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين ".
وأسلم عبد الله بن سعد بن أبي السرح أيام الفتح فحسن إسلامه فلم يظهر منه شيء ينكر عليه بعد ذلك...
وأما عكرمة بن أبي جهل، فلم نقف على سبب مباشر لإهدار دمه، إلا أنه كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية. وقد أسلم بعد فتح مكة وحسن إسلامه.
والله أعلم.