الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا المقطع من الآية الكريمة 283 من سورة البقرة: وبداية سياقها قول الله تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
كما ورد مثلها في مواضع أخرى من كتاب الله تعالى.
قال الطبري: إن تبدوا ما في أنفسكم أيها الناس فتظهروه، أو تخفوه فتنطوي عليه أنفسكم يحاسبكم به الله، فيعرف مؤمنكم تفضله بعفوه عنه ومغفرته له فيغفر له، ويعذب منافقكم على الشك الذي انطوت عليه نفسه في وحدانية خالقه ونبوة أنبيائه. فالله سبحانه وتعالى هو صاحب المشيئة المطلقة لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، فليس لأحد مشيئة دونه فهو سبحانه وتعالى الفعال لما يريد.
ولتوضيح معنى الآية إجمالا نذكر سبب نزولها كما في صحيح مسلم، فمعرفة السبب معينة على التأويل كما يقول المفسرون.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة.. وقد نزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابيين قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في إثرها: آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ... الآية
فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى بقوله جل وعلا: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة: 286} الحديث مع تمام الآية
ولذلك فهذه الآية مما نسخ حكمه وبقيت تلاوته، كما في الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
والله أعلم.