الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه الآيات نزلت في أخوين أحدهما مؤمن والآخر كافر، وهي مثل للمؤمن بالله تعالى المنفق في سبيله الذي يرجو ثوابه ومغفرته، والكافر الجاحد الذي لا يؤمن بالغيب ولا يصدق بالبعث.
وبداية سياق القصة من قوله سبحانه وتعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ... ويتواصل السياق في وصف الجنتين إلى:..... وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا إلى قوله تعالى: مُنْقَلَبًا.. لتبدأ إجابة الرجل المؤمن بقوله: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا.... إلى قوله تعالى: طَلَبًا....
ثم يعقب السياق على هذا الحوار بما آل إليه أمر الحديقتين من الخراب والهلاك والدمار، وهو مآل الدنيا كلها، وما وقع فيه صاحبها من الندم والحزن والخيبة، وهو الدرس الذي ينبغي لكل مسلم أن يأخذه ويتعظ به ويستفيد منه وهو الذي من أجله سيقت القصة، كما قال سبحانه وتعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ {يوسف: 111}.
يقول سيد قطب في الطلال: هذه القصة مثل للقيم الزائلة والقيم الباقية، فصاحب الجنتين نموذج للرجل الذي تذهله الثروة وتبطره النعمة، فينسى القوة الكبرى التي تسيطر على أقدار الناس والحياة، ويحسب هذه النعمة خالدة لا تفنى فلن تخذله القوة ولا الجاه.
وصاحبه نموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه الذاكر لربه يرى النعمة دليلاً على المنعم موجبة لحمده وشكره لا لجحوده وكفره.
والله أعلم.