الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن لا يزيغ قلبك بعد إذ هداك ويهب لك من لدنه رحمة ويهيئ لك من أمرك رشداً، كما نسأله سبحانه أن يفرغ عليك صبراً وليثبتك في وجه تلك الفتن والمحن إنه سميع مجيب، ولك في بلال وصهيب وخبيب أسوة حسنة؛ بل في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه فقد أوذوا في سبيل الله بكل أنواع الإذاية والإهانة بالضرب والشتم والسب والكراهة والمقاطعة، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين، لقد كان بلال يوضع في بطحاء مكة وعلى ظهره وبطنه الحجارة الحارة فيقول: أحد أحد، وقتل خبيب ومزق إربا إربا فما ثناه ذلك عن إيمانه بل قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
وتلك سنة من سنن الله أن يبتلي عباده المؤمنين حتى يتبين من بكى ممن تباكى، ومن هو صادق في إيمانه ولو كلفه ذلك بذل مهجته، قال الله تعالى: ألم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت:1-2-3}، وأخرج البخاري في صحيحه من حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا، قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه.
فننصحك بالصبر على ما أنت فيه، واعلم أنك مأجور فما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم حتى الشوكه يشاكها يكفر الله بها من سيئاته، كما في الحديث عند مسلم وغيره، واعلم أن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا، فتمسك بإيمانك واثبت عليه ثبوت الجبال الراسيات، وإن أمكنك الهجرة عن القرية التي أنت فيها إلى غيرها فهو أولى لك، ولن يضيعك الله، فقد قال: وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:100}، وإن كنت لا تستطيع إقامة شعائر دينك في ذلك المكان فيجب عليك مغادرته والهجرة عنه إلى حيث تستطيع إقامة شعائر دينك بحرية تامة، وذلك لقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا {النساء:97}.
وأما والداك إن جاهداك على أن تكفر بالله وتشرك به ما ليس لك به علم فلا تطعهما، كما قال الله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15}، وقد رخص الله سبحانه وتعالى لمن أكره أن يقول كلمة الكفر إذا لم يعتقد ذلك وكان قلبه مطمئنا بالإيمان؛ كما في قوله تعالى: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ {النحل:106}، ولكن حيث أمكنه ترك الكفار والهجرة عنهم فلا عذر له، قال البغوي: والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل وسلامة النية وعدم إمكان الفرار وهي رخصة، فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم.
ولا ينبغي للمسلم أن يجعل فتنة الناس كعذاب الله، فيستسلم لذلك ويترك إيمانه لكره الناس أو إذايتهم له، قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ {العنكبوت:10}، فعليك بالصبر والدعاء وراجع الفتوى رقم: 32179.
وأما العمل فنسأل الله تعالى أن ييسره لك ، ونعتذر إليك لأن ذلك ليس من اختصاصنا فجهد الشبكة ينصب على تبصير الناس بأمور دينهم وإجابة الأسئلة ذات الفتاوى الشرعية والاستشارات الطبية والنفسية ونحو ذلك من الأمور الدعوية والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
والله أعلم.