الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن اختيار أبي بكر وعثمان لزيد بن ثابت سببه هو حضور زيد للعرضة الأخيرة التي عرضها الرسول صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، وقد ثبت فيها ما ليس منسوخا من القرآن، وكان زيد كاتب الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إنه لا مانع أن يكلف الأمير شخصا بمهمة وهناك من هو أصلح منه لها إذا كان المكلف يستطيع القيام بها قياما كاملا، ويضاف إلى هذا أن هؤلاء الأربعة لم يكن بعضهم موجودا أيام جمع أبي بكر للقرآن بالمدينة، فإن سالما استشهد في حروب اليمامة في بداية خلافة أبي بكر، وأما معاذ فكان باليمن واليا عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وبعض خلافة عمر.
وأما الآيتان اللتان وجدهما زيد عند بعض الصحابة فإن إثباتهما يدل له حفظ زيد لهما مع كثير من الصحابة، ووجودهما المذكور ليس معناه عدم حفظ الصحابة لهما، بل معناه أنه لم يجدهما مكتوبتين إلا عند هذا الصحابي، كذا قال ابن حجر في الفتح، ويدل له قول زيد فأخذت أتتبعه من الرقاع والعسب.
وأما نفي إمكانية وجود غيرهما عند أحد من الصحابة فإنه يدل له أن القرآن تعهد الله بحفظه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر: 9} ووعد الله لا يتخلف، كما قال تعالى: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فالقرآن محفوظ من تطرق النقص والتحريف إليه، ثم إن وجود آيات عند صحابي واحد لا يثبت قرآنيتها لأن القرآن لا بد فيه من التواتر.