الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيجب عليك أن تحمد الله على أن منَّ عليك بنعمة الاستقامة واصطفاك بالهداية. وأعلم أن من شكر النعمة أن تسعى في هداية أصدقائك الذين كنت معهم، فتدلهم على ما أنت فيه من الخير والسعادة والطمأنينة والرجوع إلى الفطرة التي فطرك الله عليها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ... فوالله لأن يهدي لله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. وانظر فضل الدعوة إلى الله في الفتوى رقم: 16759، والفتوى رقم: 50919. ولكن ينبغي أن تستعمل الحكمة في دعوتهم، فالناس ليسوا سواء، وقبولهم للحق متفاوت، فابدأ بمن يتحلى بالأخلاق الطيبة منهم، فإن هؤلاء أرجى في قبول دعوتك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. رواه البخاري. ولك في رسول الله وصحابته الكرام أسوة حسنة، فقد بدأ رسول الله بدعوة زوجه خديجة وأبي بكر وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة، ونشط أبو بكر في دعوة سعد بن أبي وقاص وأبي عبيدة وطلحة وغيرهم، وكذلك فعل مصعب بن عمير لما أرسله رسول الله إلى المدينة، فبدأ بأسيد بن حضير وسعد بن معاذ وأسعد بن زرارة ونحوهم من أصحاب القلوب الرقيقة والعقول النيرة الواعية والأخلاق الطيبة، وهؤلاء لا يردون دعوة الخير ويقبلونها غالباً، ولا يمنعهم الكبر والغرور وإنما اتباع شهوة أو علوق شبهة، وانظر الفتويين: 46212،8580. فإن بذلت وسعك في دعوة أصدقائك هؤلاء، ثم تبين لك إعراضهم وعدم استجابتهم فتحول عنهم إلى غيرهم من أهل بيتك وقرابتك وجيرانك وزملائك في الدراسة ونحوهم، ولكن لاتكف عن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا وجدت إعراض المعرضين. وللفائدة انظر الفتويين:53349 ، 5197.
هذا، وننبهك إلى أمرين اثنين:
الأول: هو إذا شعرت أن مخالطتك لأصدقائك القدامى ستعود عليك بالضرر، بأن يذكروك بماضيك معهم ويزينوا لك ما كنت عليه، فإياك وإياهم وفر منهم فرارك من الأسد، فإن السلامة لا يعدلها شيء، واحذر قطاع الطريق الذين يقطعون عليك الطريق إلى الله.
الأمر الثاني: ينبغي أن لا تشغلك دعوة الناس إلى الاستقامة والتمسك بدين الله عن الاشتغال بنفسك وتزكيتها وطلب العلم النافع الذي هو مادة الدعوة الأصلية، فاحذر أن تستهلك خلطة الناس عن خلوتك برب الناس جل وتعالى، فكن متوازناً بين حق نفسك وحق الناس عليه. والله يحفظك ويرعاك.
والله أعلم.