الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن العلماء اتفقوا على وجوب القضاء على الناسي والنائم مع عدم الإثم، وإنما وقع الخلاف في وجوب القضاء على العامد مع أنه آثم ، فذهب الجمهور إلى وجوب القضاء عليه من باب أولى، والأصل في وجوب القضاء قوله صلى الله عليه وسلم: إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول أقم الصلاة لذكرى. رواه مسلم. وقوله: من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك وأقم الصلاة للذكرى. رواه البخاري وغيره. وبهذا الحديث وغيره استدل من قال أن العامد لا يقضي كما استدل به أيضا من قال بوجوب القضاء على العامد، قال الحافظ ابن حجر: وقد تمسك بدليل الخطاب منه القائل أن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي، وقال: من قال يقضي العامد بأن ذلك مستفاد من مفهوم الخطاب فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا وجب القضا ء على الناسي مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه فالعامد أولى . إلى أن قال: ويمكن أن يقال إن إثم العامد بإخراج الصلاة عن وقتها باق عليه ولو قضاها بخلاف الناسي فإنه لا إثم عليه مطلقا ووجوب القضاء على العامد بالخطاب الأول لأنه خوطب بالصلاة وترتبت في ذمته قصارت دينا عليه والدين لا يسقط إلا بأدائه فيأثم بإخراجه لها عن الوقت المحدود لها ويسقط عنه الطلب بأدائها فمن أفطر في رمضان عامدا فإنه يجب عليه أن يقضيه مع بقاء إثم الافطار عليه والله أعلم، قال القرطبي في جامع أحكام القرآن عند تفسير قوله تعالى: وأقم الصلاة لذكري ـ طه الآية 14 ـ فأما من ترك الصلاة متعمدا فالجمهور أيضا على وجوب القضاء عليه وإن كان عاصيا إلا داود ووافقه أبو عبد الرحمن الأشعري الشافعي حكاه ابن القصار ، والفرق بين المتعمد والناسي والنائم حط المأثم فالمتعمد مأثوم. وجميعهم قاضون، والحجة للجمهور قوله تعالى أٌقيموا الصلاة ولم يفرق بين أن يكون في وقتها أو بعدها وهو أمر يقتضي الوجوب، وأيضا فقد ثبت الأمر بقضاء النائم والناسي مع أنهما غير مأثومين فالعامد أولى. انتهى. ومن هذا يتبين للسائل الكريم أدلة الفريقين ولاشك أن مذهب الجمهور أحوط، وقد تقدم خلاف أهل العلم فيمن ترك الصلاة تكاسلا هل هو كافر أم لا ـ مع اتفاقهم على كفر جاحدها، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 512 ، 5259 ، 21622.