الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله لم يظلمك، ولا يظلم ربك أحداً، بل إنه رؤوف بالعباد رحيم بهم، وهو أرحم بنا من أنفسنا ومن الأم برضيعها. ولكن الإنسان هو الذي يظلم نفسه ويتنكب الطريق ويختار ما فيه أذاه، ثم يقول لم خلقني الله هكذا؟ إن الله تعالى خلق الإنسان وجعل له إرادة ومشيئة، قال تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ {البلد:10}. أي طريق الخير وطريق الشر، ومن رحمة الله أن أرسل لنا رسلاً تدلنا على طريق الخير وتنهانا عن طريق الشر، ولكن الإنسان الظالم لنفسه ينصاع لنفسه الأمارة بالسوء وينقاد للشيطان ويقع فيما حرم الله. ولو كان قوم لوط معذورين مجبرين على فعل السوء لما عاتبهم ربهم {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ؟} ولما عذبهم هذا العذاب الأليم ـ إذ لو كانوا مجبرين على فعلهم المنكر ثم عذبهم لكان هذا ظلماً، والله سبحانه منزه عن الظلم، قال تعالى: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ{فصلت: 46}، وقال: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدا {الكهف: 49}. وقال في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي. وهذا، وإن والواجب عليك مجاهدة نفسك وقطعها عن التعلق بهذا الذنب الخبيث من قبل أن يدهمك الموت فتندم وقت لا ينفع الندم. واعلم أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده إذا جاءه نادماً منكسراً عازماً على عدم الرجوع إلى الذنب مرة أخرى، ويقبل سبحانه منه التوبة ويبدل سيئاته حسنات، قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ{التوبة: 104}. وقال أيضاً: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً {الفرقان:70}. واعلم أن كثيراً من التائبين قبل توبتهم وإنابتهم كانوا يظنون أن التوبة مما هم عليه من الذنوب مستحيلة، لكنهم مع الاستعانة بالله والتوكل عليه استطاعوا أن يقهروا الشيطان. فاستعن بالله وادعه بذل وإلحاح أن يعينك على التوبة وأن يتقبلها منك. ومن أهم ما يدعى به الدعاء المأثور في صحيح مسلم: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.، والدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: يا رسول الله علمني دعاء أنتفع به، قال: قل اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي ـ يعني فرجه ـ. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني. ودعاء الخروج من المنزل الذي أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني، واللفظ لأبي داود: إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال حينئذ هديت وكفيت ووُقيت وتنحى عنه الشيطان. كما ننصحك بتغيير الحال الذي أنت فيها، فلا تصحب من يذكرك بالمعصية أو يشوقك إليها، ولا تصحب من يصحبهم، حتى لا يأتوك بأخبارهم فتهفو نفسك للوقوع في الحرام، وانتفع بالتدابير الموصوفة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 57110 ، 59332 ، 60222 ، 5453 ، 6872 ،56002 ، 9360 . هذا، واحذر أن تحاكم مولاك: لماذا لم يبتل أعداءه الكافرين بما ابتلاك به، فإن الُملك ملكه والعبد عبده وهو يتصرف في ملكوته كما يشاء، قال تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الانبياء:23} . وما يدريك أنه لم يبتلهم بأشد مما أنت فيه، قال تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُه {آل عمران: 140}. بلى لقد ابتلاهم بما هو أشد وأشنع ألا وهو حرمانهم من حلاوة الايمان وطمأنينته وسكينته، ثم أمهلهم استدراجاً حتى يأخذهم على غفلة، قال الله تعالى: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ *وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ{القلم:44ـ45}. وأما عن العلاج لهذه الآفة فينبغي أن تستشير في شأنه أهل الاختصاص من الأطباء، ونسأل الله أن يعافينا وإياك من كل مكروه.