الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن أكل أو شرب ـ ناسياً ـ وهو صائم، فلا يفطر بذلك وصيامه صحيح، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه " متفق عليه. ولا فرق بين صيام رمضان أو القضاء أو النذر أو النافلة، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم. وقال مالك : (يفطر، لأن ما لا يصح الصوم مع شيء من جنسه عمداً لا يصح مع سهوه )، وقيل يفطر في الفرض دون التطوع. وما ذهب إليه الجمهور هو الراجح للخبر السابق وهو عام في كل صيام، بل قد ورد ما هو أصرح من هذا الخبر، وهو ما رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: "من أفطر في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة "، وإذا انتفى عنه وجوب القضاء في رمضان فهو في غيره أحرى بالانتفاء.
وأما إن أفطر متعمداً في النفل فلا شيء عليه، لأن المتطوع أمير نفسه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إذا صام الرجل تطوعا ثم شاء أن يقطعه قطعه ... ) وهو مذهب أحمد والشافعي ، وعن أبي حنيفة و مالك أنه يلزمه إكماله بالشروع فيه ولا يخرج منه إلا بعذر، فإن خرج منه بغير عذر وجب عليه القضاء، لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة وحفصة لما أصبحتا صائمتين فأفطرتا: "أبدلا يوما مكانه " رواه أحمد ، والراجح أنه لا يجب عليه قضاؤه وإن كان يستحب له ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها " رواه مسلم والنسائي واللفظ له. ولقوله صلى الله عليه وسلم لأم هانئ وكانت صائمة فأفطرت: "أكنت تقضين شيئاً؟ قالت: لا، قال: فلا يضرك إن كان تطوعاً " رواه سعيد بن منصور في سننه.
وروى أحمد وغيره عن أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر "،ويستحب لمن شرع في نفل ـ صيام أوصلاة ـ أن يتمه، لقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم ) [محمد: 33]، وإن كان ذلك في صيام قضاء رمضان، فإنه يأثم لقطعه للعبادة الواجبة وتلاعبه بها - ولمفهوم الحديث المتقدم - فلا يضرك إن كان تطوعاً ، وعليه أن يقضي يوما مكانه.
وأما الفطر عمداً في رمضان فهو من كبائر الذنوب، وإن كان بجماع وجبت الكفارة على مرتكبه إجماعاً، وإن كان بالأكل أو الشرب ففي وجوب الكفارة على فاعله قولان لأهل العلم:
الأول: وجوب الكفارة، وبه قال الحنفية والمالكية لانتهاك حرمة الصوم في غير سبب مبيح للفطر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان: "أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكيناً " رواه مسلم .
الثاني: القول بعدم وجوب الكفارة، وإنما الواجب هو قضاء هذا اليوم فقط، مع التوبة من الذنب، ولا يصح قياس الأكل والشرب على الجماع، لأن الحاجة إلى الزجر عنه أمس، والحكمة في التعدي به آكد، وهذا هو الراجح.
ومن أفطر ناسياً وكان يجهل الحكم بوجوب الإمساك فظن أنه لما أفطر لم يعد مطالباً بالصيام فأكل متعمداً فقد أساء، وكان الواجب عليه سؤال أهل العلم في ذلك قبل أن يقدم على الأكل، ولا شيء عليه غير القضاء. والله أعلم.