الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم نقف في كتاب المدخل لابن الحاج على الجملة التي ذكرتها وقد ننقل لك مجمل ما ذكره في باب موضع الأذان والنهي عن الأذان داخل المسجد، قال في باب الأذان فيما ابتدع ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن تتبع، فقد بان أن فعل ذلك في المسجد بين يدي الخطيب بدعة، وأن أذانهم جماعة أيضاً بدعة أخرى فتمسك بعض الناس بهاتين البدعتين، وهما مما أحدثه هشام بن عبد الملك كما تقدم، ثم تطاول الأمر على ذلك حتى صار بين الناس كأنه سنة معمول بها، فزادوا على الثلاثة المؤذنين أكثر من ثلاثة وثلاثة كما هو مشاهد، فهذه بدعة ثالثة ثم أحدثوا الدكة التي يصعدون عليها ويؤذنون، فهذه بدعة رابعة، وكل ذلك ليس له أصل في الشرع.
هذا ما هو من طريق النقل، وأما ما هو من طريق المعنى، فلأن الأذان إنما هو نداء إلى الصلاة ومن هو في المسجد لا معنى لندائه، إذ هو حاضر ومن هو خارج المسجد لا يسمع النداء إذا كان النداء في المسجد، هذا وجه. الثاني: أن الدكة التي أحدثوها ضيقة من غير حظير فقد تلتوي رجل أحدهم أو يعثر فيقع فتنكسر، وقد جرى ذلك فيكون مسؤولاً عن نفسه مع وجود ألمه. الثالث: أنه لا معنى لها إذ المراد إنما هو إسماع الحاضرين، وهم لو أذنوا في الأرض لأسمعوا من في المسجد وإنما هي عوائد وقع الاستئناس بها فصار المنكر لها كأنه يأتي ببدعة على زعمهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون على قلب الحقائق، لأنهم يعتقدون أن ما هم عليه هو الصواب والأفضل، ولو فعل ذلك مع اعتقادهم أنه بدعة لكان أخف أن يرجى لأحدهم أن يتوب.
ثم قال: فصل في النهي عن الأذان في المسجد وقد تقدم أن للأذان ثلاثة مواضع: المنار، وعلى سطح المسجد، وعلى بابه، وإذا كان ذلك كذلك فيمنع من الأذان في جوف المسجد لوجوه: أحدها: أنه لم يكن من فعل من مضى اللهم إلا أن يكون للجمع بين الصلاتين فذلك جائز في جوفه، وأما الإقامة فلا تكون إلا في المسجد. الثاني: أن الأذان إنما هو نداء للناس ليأتوا إلى المسجد ومن كان فيه فلا فائدة لندائه لأن ذلك تحصيل حاصل ومن كان في بيته فإنه لا يسمعه من المسجد غالباً. الثالث: أن الأذان في المسجد فيه تشويش على من هو فيه يتنفل أو يذكر أو يفعل غير ذلك من العبادات التي بني المسجد لأجلها وما كان بهذه المثابة فيمنع لقوله عليه الصلاة والسلام: لا ضرر ولا ضرار. ثم انظر رحمنا الله تعالى وإياك إلى هذه البدعة كيف جرت أيضاً إلى بدع آخر، ألا ترى أنهم لما أن أحدثوا الأذان في المسجد اقتدى العوام بهم فصار كل من خطر له أن يؤذن قام وأذن في موضعه والغالب على بعض العوام أنهم لا يحسنون النطق بألفاظ الأذان فيزيدون فيه وينقصون ويكثر التخليط حتى إن بعض الصبيان الصغار ليؤذنون فيجمعون بين تغيير الأذان وبين التشويش على من في المسجد من المتعبدين كما تقدم بيانه وشيء يجمع هذه المفاسد فيتعين أن يجنب بيت الله منه. هذا هو مجمل ما ذكره ابن الحاج في مدخله.
والله أعلم.