الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فيجوز للإنسان تأخير غسل الجنابة إلى قيامه للصلاة، ولو لغير ضرورة؛ لأن غسل الجنابة واجب وجوبًا متراخيًا، وليس على الفور، وإنما يجب عند القيام إلى الصلاة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة، وهو جنب، فانخنس منه، فذهب، فاغتسل، ثم جاء، فقال: "أين كنت يا أبا هريرة؟" قال: كنت جنبًا، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: "سبحان الله، إن المسلم لا ينجس". قال ابن حجر: وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وجوبه. انتهى. وقد استدل البخاري بحديث أبي هريرة هذا على جواز تصرف الجنب في حوائجه، فقال: باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره.
ويجوز للجنب أن ينام دون أن يغتسل، لكن يستحب له أن يتوضأ قبل أن ينام، ففي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل، أو ينام، وهو جنب، توضأ. وأخرج أبو داود عن غضيف بن الحارث، قال: قلت لعائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل قبل أن ينام؟ وينام قبل أن يغتسل؟ قالت: نعم. قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة. وفي الصحيحين أن عمر استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: "نعم، إذا توضأ". قال ابن عبد البر: ذهب الجمهور إلى أنه ـ أي: الأمر بالوضوء للجنب الذي يريد النوم - للاستحباب، وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه، وهو شذوذ. انتهى.
وأما ما رواه أبو داود، وغيره عن علي -رضي الله عنه- مرفوعًا: إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب، ولا جنب، فهو حديث ضعيف؛ لأن في إسناده مجهولًا.
وعلى فرض صحته؛ فإن المراد بالجنب ـ كما قال الخطابي ـ: من يتهاون بالاغتسال، ويتخذ تركه عادة، لا من يؤخره ليفعله.
والله أعلم.