الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد قال الله تعالى: ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ {يوسف:35}، قال الطبري: ليسجننه إلى الوقت الذي يرون فيه رأيهم... وذكر أن سبب حبسه في السجن كان شكوى امرأة العزيز إلى زوجها أمره وأمرها.. وذكر عن السدي قال: قالت: المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس يعتذر إليهم ويخبرهم أني راودته عن نفسه ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستني، فذلك قوله تعالى: ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ.
وسياق الآيات يفيد أن سجنه كان بسبب كيد امرأة العزيز، فقد صرحت بذلك حيث قالت: وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ* قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ {يوسف:32-33} فامتنع منها فأدخل السجن بسبب كيدها له وما ادعته عليه وإغراء العزيز به، قال ابن كثير: ثم بدا لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين..... وكأنهم -والله أعلم- إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاما أنه راودها عن نفسها وأنهم سجنوه على ذلك، ولهذا لما طلبه الملك الكبير في آخر المدة امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نسب إليه من الخيانة...
وقال القرطبي: وقيل ألجأها الخجل من الناس والوجل من اليأس إلى أن رضيت بالحجاب، مكان خوف الذهاب لتشتفي إذا منعت من نظره... أو كادته رجاء أن يمل حبسه فيبذل نفسه.
ولعل الأقرب من ذلك كله -وإن كان لا تعارض بين تلك الأقوال- أن سجنه كان بسبب كيد امرأة العزيز، قال الشوكاني: كانت امرأته هي الغالبة على رأيه، الفاعلة لما يطابق هواها في يوسف، وإنفاذ ما تقدم منها من الوعيد له بقولها: وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ. فلم يفعل ما أمرته به فسجن.
والله أعلم.