الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلمي – أيتها الأخت الكريمة – أن الأصل في المسلم أن يسأل عما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، وقد كره السلف رحمهم الله أن يُسألوا عن أشياء لا تعود عليهم بالنفع. ومن ذلك مثلاً لما سُئل الإمام ابن حجر رحمه الله عن سؤال الملكين في القبر بأي اللغات سيكون؟ أجاب بما حاصله: إن هذا أمر لا يهمك في قليل ولا كثير، ولكن اسأل عمَّا ينجيك من أهوال القبر...
وفيما يتعلق بسؤالك الأول فإن الله تعالى قد أخبرنا أنه خلق الأرض في يومين، وأنه جعل من فوقها الجبال، وقدر فيها الأقوات في يومين آخرين، وأنه خلق السماوات في يومين. قال تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {فصلت:9-12}.
وورد شيء من التفصيل لوقت خلق هذه المخلوقات في السنة النبوية. فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل.
وهذه الأزمنة وهذا الخلق لا يقاس بالمقياس الذي يدبر به الإنسان أموره. فملايين الكواكب وملايين المجرات المحتواة في السماء، لا تحتاج من الله إلى عناء أو وقت. فالله تعالى قادر على أن يخلق كل المخلوقات في أقل من لحظة. قال جل وعلا: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {يــس:82}. ولكنه أراد ما أراده لحكم بالغة، قد لا يدركها سائر الناس، وعلى المسلم أن يسلم بكل ما أخبر الله به، ويعتقد قدرة الله على كل شيء.
والله تعالى مستو على عرشه، وعرشه فوق سماواته، وهو بائن من خلقه جل وعلا، وليس حالاً فيهم، فهو العلي الأعلى، فوق جميع مخلوقاته سبحانه وتعالى وتقدس. وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل القرون المفضلة.
قال الله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {الأعلى:1}. وقال تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ {النحل:50}. وقال الله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ {الأعراف:54}.
وروى مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي في قصة ضربه لجاريته وفيه: ... فقلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟ قال: ادعها، فدعوتها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: اعتقها فإنها مؤمنة.
وأما الإجماع فقد حكاه غير واحد من أئمة المسلمين. قال الإمام الأوزاعي: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته. وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي: اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه، فوق سماواته. وقال الإمام ابن سعيد: هذا قول الأئمة في الإسلام وأهل السنة والجماعة: نعرف ربنا عز وجل في السماء السابعة على عرشه، كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {طـه:5}.
وقبل أن يخلق الله مخلوقاته كان في عماء، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء.
ونسأل الله تعالى أن ينفعك بما أفتيناك به، وأن يزيل عنك الحيرة ويثبت إيمانك.
والله أعلم.