الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن بيع السيارة المودعة خشية تلفها هو الذي تقتضيه المصلحة، ويستوجبه حفظ الأمانة المطلوب شرعاً، وعليه فإن ثمنها الذي بيعت به أصبح أمانة كما كانت هي، ومن المعلوم أن الأمانة لا يجوز للمؤتمن أن يتصرف فيها بما لم يأذن به صاحبها، أو يقتضيه حفظها، فإن تصرف فيها بغير إذن أو مصلحة ضمن.
أما بالنسبة للأموال الناتجة عن الاتجار بالوديعة تعدياً، فإن العلماء اختلفوا في مرجعها، فيرى الإمام مالك والليث وأبو يوسف وجماعة: أن المال للتاجر المتعدي، وليس لرب الأمانة إلا رأس المال، لأن الخراج بالضمان.
والصحيح من مذهب الحنابلة أن الربح لرب المال صاحب الأمانة، وقال الإمام أبو حنيفة وزفر ومحمد بن الحسن ترد الوديعة لصاحبها، ويتصدق بالربح، وهذا هو الذي نقله حنبل عن الإمام أحمد.
إذا علمت هذا أيها السائل الكريم، فالواجب عليك رد ثمن السيارة التي بيعت به لصاحبها، لأنه ملكه بلا خلاف، وأما ما نشأ عن تجارتك أنت به من ربح، ففيه ما علمت من الخلاف بين العلماء.
والأنسب بمقاصد الشريعة أن يكون بينكما، أما أنت فلتحريكك المال وتنميتك إياه، وأما هو فلأن رأس المال له. ويستأنس لهذا بما رواه الإمام مالك في الموطأ من أن ابني عمر: عبد الله وعبيد الله رضي الله عنهما مرا على أبي موسى الأشعري بالبصرة، فرحب بهما وسهل وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى هاهنا مال من مال الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الربح، فقالا: وددنا. ففعلا فكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا وربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ قالا: لا. قال عمر: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما؟! أديا المال وربحه، فأما عبد الله فسلمه، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو هلك المال أو نقص لضمناه. قال: أدياه. فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله، فقال: رجل من جلساء عمر يا أمير المؤمنين لو جعلته قِراضاً فقال: قد جعلته قِراضاً.. إلى آخره.
فقضاء عمر هذا بقسمة الربح لا شك أنه هو القضاء العدل الذي لا يجحف بأي طرف، ولا يذهب حقه هدراً. والله تعالى أعلم.