الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان الأب قد زوج أبناءه وجهز بناته ولم يفعل ذلك بابنه الصغير لكونه لم يبلغ السن التي جرى العرف أن يزوج فيها مثله أو عجز الأب عن ذلك حتى مات فلا يجب أن يعطى الابن الصغير من التركة مهرا وشقة وغيرها؛ لأن التركة قد انتقلت بموت المورث إلى جميع الورثة، وأصبح لكل واحد منهم حق فيها، والعطية لبعض الأبناء إذا كانت لمسوغ لا يجب تعميمها على باقي الأبناء، وانظري تفصيل القول في ذلك في الفتوى رقم:6242، وعلى فرض عدم وجود مسوغ للتفضيل ويسر حال الأب وأنه لم يعدل في عطيته بتزويج بعض أبنائه دون بعض وقد مات ولم يسترد ذلك فإنه يثبت، وليس للبقية المطالبة به بعد موته قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: إذا فاضل بين ولده في العطايا أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده ثبت ذلك للموهوب له ولزم، وليس لبقية الورثة الرجوع. هذا هو المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم والميموني وهو اختيار الخلال وصاحبه أبي بكر، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم.
إذن فلا يجب عليكم أن تزوجوا الابن وتعطوه شقة إلا من باب الإحسان مع رضاء جميع الورثة لأن تلك حقوقهم فلا يتصرف فيها إلا بإذنهم ورضاهم جميعا. والشقق التي قد أعطاهم الأب في حياته لا تضم إلى التركة إذا كانت على سبيل العطية والهبة ووقعت منه في حال صحته ورشده وتمت حيازتها منه. ولكن إذا كانت عرية ومنحة للسكنى ونحوه فإنها تضم إلى باقي التركة وتقسم معها.
وأما قطعة الأرض التي باعها الأب وهي ملك للأم فإن كانت قد أذنت له في ذلك وأعطته إياها دون عوض فليس لها في ذمته شيء، وإن كان بعوض فلها ذلك في ذمته.وبموتها ينتقل حقها إلى ورثتها وله هو من ذلك بقدر نصيبه من تركتها والباقي لكم فينبغي أن تسامحوه فيه وتعفوه منه، وبذلك يسقط عنه الإثم وتبرأ ذمته من حقها. هذا على فرض أنها أعطته إياها على أن يعوضها أرضا بدلها. وإذا لم تسامحوه في ذلك فينظر في قيمة الأرض ويسقط نصيبه هو من ذلك والباقي يخرج من تركته ويعطى لورثة الأم خاصة.
ثم إننا ننبه السائلة الكريمة إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات. وانظري الفتوى رقم: 58608 .
والله أعلم.