الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فغسل الجمعة مستحب ويبدأ وقته من طلوع الفجر ويستمر إلى أن يريد الصلاة فيغتسل ثم يذهب للصلاة ولا يصح بعد الصلاة، وينبغي المحافظة على فعله قدر الإمكان عند إرادة الذهاب حتى يذهب الشخص إلى المسجد وهو نظيف لا تنبعث منه رائحة كريهة تؤذي الناس، فإذا اغتسل ثم عرق وظهرت منه الرائحة الكريهة فإنه يعيد الغسل مرة أخرى، وقد دل على هذا مارواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي ، فيأتون في العباء ، ويصيبهم الغبار ، فتخرج منهم الريح ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا . قال ابن دقيق العيد رحمه الله : وفي الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة ، والمراد إرادة المجيء ، وقصد الشروع فيه ، وقال مالك به ، واشترط الاتصال بين الغسل والرواح ، وغيره لا يشترط ذلك ، ولقد أبعد الظاهري إبعادا يكاد يكون مجزوما ببطلانه ، حيث لم يشترط تقدم الغسل على إقامة صلاة الجمعة ، حتى اغتسل قبل الغروب كفى عنده ، تعلقا بإضافة الغسل إلى اليوم في بعض الروايات، وقد تبين من بعض الأحاديث : أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة ، ويفهم منه : أن المقصود عدم تأذي الحاضرين ، وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة ، وكذلك أقول : لو قدمه بحيث لا يحصل هذا المقصود لم يعتد به ، والمعنى إذا كان معلوما كالنص قطعا ، أو ظنا مقاربا للقطع : فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من اتباع مجرد اللفظ ، وقد كنا قررنا في مثل هذا قاعدة ، وهي انقسام الأحكام إلى أقسام : منها : أن يكون أصل المعنى معقولا ، وتفصيله يحتمل التعبد ، فإذا وقع مثل هذا فهو محل نظر ، ومما يبطل مذهب الظاهري : أن الأحاديث التي علق فيها الأمر بالإتيان أو المجيء قد دلت على توجه الأمر إلى هذه الحالة ، والأحاديث التي تدل على تعليق الأمر باليوم لا يتناول تعليقه بهذه الحالة ، فهو إذا تمسك بتلك أبطل دلالة هذه الأحاديث على تعليق الأمر بهذه الحالة ، وليس له ذلك ، ونحن إذا قلنا بتعليقه بهذه الحالة فقد عملنا بهذه الأحاديث من غير إبطال لما استدل به أهــ .
والله أعلم .